محليات

“ض” التجارة الفصيحة؟!

دعونا نعترف أن إصرار لجنة تمكين اللغة العربية على إلزام أصحاب المحال التجارية باستعمال الألفاظ العربية الفصحى في تسمية المحال بدلاً من الأجنبية لا يلقى القبول والرضا الجيدين عند الفعاليات والأنشطة الاقتصادية منشآتٍ كانت أم أسواقاً وصالات عرض وبيع للمستهلك؟.
دوافع هذا التحفّظ تتجلى برؤية التجار الخاصة لأعمالهم في البيع والشراء والتصدير والاستيراد والتي تقول: إن هذا القطاع لا يمكن تقييده بلغة وكلمات محددة، وهو الذي يستهدف الزبون المحلي والمغترب والأجنبي أياً تكن جنسيته ولغته، وبالتالي ثمة ما يدعو إلى التساؤل عند من يرى في التوجّه تعطيلاً للنشاط الاقتصادي، ومفاده.. كيف لنا أن نروّج للصناعة السورية والمنتج والوطني؟!.. وكيف لنا أن نقدّم أنفسنا كتجار دوليين نغزو العالم بما نصنع؟! إذا لم نقدّم سلعاً ولغة تتناسب مع الزبون العالمي وليس المحلي فقط؟.
قد يبدو الطرح منطقياً نوعاً ما في ظل الميل العام إلى مواكبة الأسواق العالمية وشهرة أمبلاجاتها وديكوراتها وطرائق العرض فيها وفنون البهرجة والإغراء التي يتربّع على رأسها الاسم الذي يحبّذ عند رواد الأسواق الدسمين أن يكون أجنبياً حتى تكتمل اكسسوارات “الشوبينغ” التي يستسيغها النساء والمراهقون والأغنياء وأصحاب القدرة الشرائية المتزنة، وهذه هي شريحة الـ”هاي لايف” المستهدفة عند تجار السوق وليس “المعترين” الذين يتغنى بعضهم بفصاحته الكلامية، فالمطلوب عند البائع محفظة وشكل الزبون، أما اللسان وعسله المقطر فهو من مهام التاجر الذي يجود بلكنة ولغة خاصة تتلوّن حسب لون المستهلك وتتماشى مع “اللقطة” السائحة، لتجد في أسواقنا من يتقن أغلب اللغات التي يضطر لفهمها والتحدّث بها، فتاجرنا “يخزي العين” يتنطّق بالإنكليزية والفارسية وبعض الفرنسية والروسية، إلا لغة الضاد فهو من غير الناطقين بها كحال معظم أبناء المجتمع الذين يستصعبونها لحساب اللهجة المحكية لكل سوق إن كان شامياً أو حلبياً أو حمصياً أو حموياً أو ساحلياً…و..و..؟.
لاشك أن الغيرية الوطنية والقومية على عروبية اللغة وإعادة الروح إليها ونشرها لمواجهة الآخر الذي نرتضيه في الصفوف والمراتب الثانية والثالثة وليس الأولى، تفرض علينا تمكين لغتنا ليس على مستوى التعليم والإعلام والإعلان والكتابة، بل لا مانع عند الحكماء والمهتمين أن تكون التجارة فصيحة لا “سوقية” كما يتندّر بعضهم.
في تفاصيل تنفيذ القرار رقم 397 الخاص بإلزام التجار بتسمية محالهم بالعربية، ثمة تناقضات وتجاوزات وقلة في منسوب التنفيذ، حيث يسأل الكثيرون عن الموقف من أسماء الفنادق والمطاعم والمقاهي والبارات والكازينوهات والملاهي وحتى الأكشاك؟ هل هذه الأماكن خارج مظلة الإلزام والتطبيق الذي خصّص الجزء الأعظمي منه للمحال التي كانت التراثية والتقليدية والتاريخية في صدارة المنفذين له، في حين بقيت أسواق الصالحية والحمراء وأبو رمانة والشعلان منفلتة من عقال الفصحى بذريعة امتيازات الماركات والوكالات الأجنبية، في وقت لم تتمكن فيه لجنة التمكين من فرض توجهها عليهم، وهي التي ما زالت تستقبل المزيد من طلبات الترخيص بأسماء ليست عربية؟.

علي بلال قاسم