محليات

جحا أولى “بزيته”؟! تخدير عام!

ما تشهده أسواق المواد الغذائية بشكل عام واللحوم والألبان بشكل خاص من عمليات غش، ليس بالأمر السريّ وباتت طرقها معروفة لدى الناس، ولكن تفاقم هذه الحالة لتصبح الممارسات بشتى أنواعها وأشكالها موجودة بالعلن وعلى مرأى الجهات الرقابية، يجعل منها قضية من الدرجة الأولى لا تقلّ أهمية عن القضايا المعنونة بالأمن الغذائي وسلامة غذاء المواطن، خاصة وأن الواقع بكل ما فيه من حقائق مؤلمة يقذف بالكلام المتواصل عن تشديد الرقابة التموينية على هذه الأسواق إلى الزوايا الضيّقة، ومن المؤلم أيضاً أن تتحوّل الآراء والتكهنات بعدم الجدية في المحاسبة وغياب الرقابة والتقاعس في أداء المهمة الرقابية إلى قناعات ثابتة لدى المواطن لا تنسف الثقة فقط، بل تهدم كافة أشكال التواصل والتعاون مع هذه الجهات التي تعيش اليوم امتحاناً حقيقياً عنوانه الحفاظ على صحة الناس.
وللأسف فإن التشخيص هو الشيء المتوفر والسائد فيما يتعلق بالرقابة، بل هو الحل الوحيد المتوفر على طاولات الجهات المعنية التي تشهد سباقاً في مضمار التحليل والتفسير وشرح الأسباب وتفنيد طرق وأساليب الغش، ومن ثم الوصول كالعادة إلى نقطة البداية ذاتها المتمثلة بعقد المزيد من الاجتماعات، وتكثيف المراسلات مع الجهات الأخرى لتحديد العوامل المؤدية إلى تأزم واقع الأسواق وانتشار الغش فيها.. ولكن يبقى هذا الحراك دون نتائج واضحة على أرض الواقع كونه حراكاً معوقاً وعاجزاً عن تطبيق إجراءات حقيقية رادعة بحق الغشاشين الذين يطعمون الناس كل ما يضرّ بصحتهم ويستنزف أموالهم!!.
ومع تعدّد الرؤى الإصلاحية والإجراءات التي توصف بالاحترازية في الكثير من الأسواق تتلاشى في المحصلة النهائية النتائج الحقيقية التي تبقى في إطارها النظري، بحيث أضحى الحديث المكرّر عن المبادرات الرامية لتفعيل الرقابة الرسمية في نظر الكثيرين أقرب إلى فقاعات الصابون منها إلى الإستراتيجية الرقابية التي تتقمص اليوم الشكل الشعبي، حيث تتواصل الانتكاسات والمفاجآت الممهورة بالفساد وبيع الضمائر.
وإلى جانب العناوين العريضة لعمليات الغش التي تمارس في جميع الأسواق هناك الارتفاع الجنوني للأسعار، وهو العنوان الذي حفظه المواطن عن ظهر قلب بعد أن جال على جميع المنابر الرسمية مختبئاً تحت ستار الأزمة التي أفشلت جميع المحاولات الإسعافية التي كانت تبدأ وتنتهي دائماً بالتخدير العام دون أن يطال مبضع المساءلة والمحاسبة أي مخالف!. فهل تنتقل الجهات الرقابية من التنظير إلى التنفيذ، أم نستمر في العيش على أمل صحوة الضمير وانتظار المعجزات؟!.

بشير فرزان