ثقافة

جديد “ضفاف”: الهوية العربية المشتركة.. وتجديد الإسلام

لماذا لا يزال إغراء الظلامية يستبدّ بالعالم العربي والإسلامي على الدوام؟ كل إنكار للمشكلة، مطلق مشكلة، هو أقصر طريق لعدم حلها، بل لتعميقها وتجذيرها، من هذه القاعدة البسيطة ينطلق بسام هاشم مدير تحرير مجلة “ضفاف”، ليؤكد في افتتاحية العدد الجديد /خريف 2014/، أن “التطرف الإسلامي لم يسقط من السماء وهو لم يفرض من الخارج بل هو نتاج تفسير محدد للإسلام، والإرهابيون هم نتاج حالة ذهنية خاصة لها جذورها العميقة في تاريخ الإسلام، وخلاف ذلك هو نوع من التنكر للمسؤولية وإنكار لما يحصل في مجتمعاتنا، وهو تردد في مواجهة الحقيقة والواقع”.
وإذا كان السؤال الذي طرحته المجلة في عددها السابق هو، بحسب هاشم، السؤال الأهم الذي يطرح اليوم على امتداد عالمنا العربي، ومفاده: “هل يمكن لانفلات العنف أن يعبر عن مطلبية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية؟ وكيف يمكن لـ “حراك” مسلح أن يدعي هذه المطلبية فيما يؤسس ممارسته على القتل والنهب، ويتوسل التطهير كحامل أساس لمشروعه..إن كان هناك من مشروع؟”.
فإن المجلة تحاول في عددها الجديد أن تفنّد أسس هذا الانفلات العنفي وتبحث عن جذوره في موروثنا الديني، ليصل “هاشم” في افتتاحيته المعنونة “باسم الله” إلى أن “هؤلاء الإرهابيين ينهلون من القراءة الحرفية للنص الديني ويترددون يومياً وبالآلاف إلى مساجد وحلقات دروس ويعشعشون في كانتونات جمعيات مسماة خيرية يديرها نشطاء إخوانيون أو وهابيون أو أئمة لا يزالون يقرؤون في الكتابات ذاتها منذ ألف عام”، وهناك ـ وتلك حقيقة واضحة وضوح الشمس ـ “نصوص دينية تبرر العنف، وعلى المسلمين الاعتراف بأن بعض دينهم يسمح باللجوء إلى القوة والإكراه”.
أما كلمة السر للخروج من هذه الدائرة العنفية الجهنمية، ومن هذا “الانفلات الغرائزي الذي يفوق التصور” كما وصفه هاشم، فهي ببساطة ووضوح: الهوية العربية المشتركة، باعتبارها أفضل أمل لكسر موجة الأفكار المتطرفة خاصة التحدي الذي “يطرحه حالياً تنظيم ما يسمى دولة الخلافة الجديدة “داعش” باعتبارها مشروع كيانية مستعادة تضطلع بامتياز الاحتكار الحصري للولاية على المسلمين والتفسير الحصري للإسلام”، على حد وصف هاشم.
وحاول المحور الأول الذي حمل عنوان “الهوية العربية المشتركة ..وتجديد الإسلام”  تقديم إجابة منطقية للتحدي السابق، ففي بحث بعنوان “الخطة الرئيسية: كيفية إيقاف داعش” ترجمة سامر الخير، كان الحل “بالاستفادة من الهوية العربية التي غرقت تحت طبقات من الطائفية”، وبينما “تقوم داعش على تحدي الأنظمة القائمة ومحو ما يراه البعض حدوداً مصطنعة وغير شرعية، تقوم الهوية العربية المشتركة بتخطي هذه الحدود أيضاً، ولكن من خلال الخلق بدلاً من التدمير، والتأسيس لمجتمع سياسي سليم”.
وفي البحث الثاني، “نظرية تجديد الإسلام”، ترجمة سمر السمارة، اعتبر الكاتب ـ بناء على التجربة الأوروبية في عصر النهضة ـ أن الصعود العالمي الحالي للاسلاموية المتشددة يتجه لأن يكون محفزاً لتجديد الإسلام، أو عصرنته بمعنى آخر.
وأوضح البحث الثالث الذي حمل عنوان “الأديان والصراعات” ترجمة هناء شروف، أن هناك سوء فهم وعدم استيعاب غربي واضح للإسلام الحديث، مؤكداً أنه “لا يمكن أن يكون هناك سلام في العالم دون سلام ديني صحيح”، فلدى “الأديان والمنظمات الدينية قوة غير مستغلة وإمكانيات توليد طاقة تكاملية”، وهذا ما يجب العمل عليه مستقبلاً للحد من صراعات العالم وحروبه.
وحمل المحور الثاني عنوان “سورية والوهابية الجديدة”، حيث ترجم ياسر البشير بحث “حكم داعش في سورية”، ويصف البحث نظام الحكم السياسي والإداري والخدمي الذي تطبقه داعش في مناطق سيطرتها، مؤكداً أنه وراء الصورة الزاهية التي تحاول تقديمها عن نفسها “تكمن منظمة وحشية لا يمكن أن تترك مجالاً لأي معارضة لتصوراتها عن الحكم”.
أما سؤال “ما هي الخيارات المتاحة لداعش الآن؟” فكان محور البحث الثاني بترجمة سامر الخير، حيث أكد فيه الكاتب أن “داعش” تشعر بقدرتها على الثبات أمام حملة “أوباما” الجوية، فكل الجهاديين، حتى من يعاديها مثل “القاعدة” وتفرعاتها، نددوا بهذه الحملة، خاصة وأن التحالف ضدها يبدو هشاً، لأسباب بنيوية، وربما لا يصمد لفترة كافية.
وترجمت هيفاء علي بحث “التمرد السوري وحرب الخرائط”، ويؤكد كاتبه أن تجربته العملية أثبتت له زيف الخرائط التي تقدم حجم سيطرة كل طرف من أطراف النزاع في سورية على الأرض، وأن هذه الخرائط، التي يقدمها المتورطون بالحرب، تأتي في سياق محاولتهم تبرير التدخل العسكري في سورية باعتبار أن المعارضة، وفق خرائطهم المزيفة، تسيطر على النسبة الأكبر من الجغرافيا والديموغرافيا السورية، وبالتالي فالتدخل العسكري منطقي وضروري كما يدعون.
كما قدمت هيفاء علي ترجمة لبحث بعنوان “حرب آل سعود ضد سورية”، وهو بحث مميز في الدور التاريخي الذي لعبه رجال الدين والإعلام والمال السعودي في التحضير لهذه الحرب، وصولاً إلى إعلان الحرب السعودية رسمياً على سورية، وكشف كاتب البحث عن صفقات ضخمة للأسلحة، معتبراً، بالمحصلة، أن سورية ضحية حرب سعودية، حرب اجتياح وغزو بكل معنى الكلمة.
وقدمت ليلى الصواف ترجمة لبحث “حدود مرسومة بالدم في الشرق الأوسط”، يكشف محاولة الغرب، عبر مراكزه البحثية، وبالتطابق مع إسرائيل، تشكيل حدود جديدة لدول المنطقة حسب المعايير العرقية والدينية، دون النظر إلى رغبات سكان هذه المنطقة بالمطلق.
فيما يؤكد بحث “الجيل المقبل من الجهاد في الشرق الأوسط” ترجمة أنس الفلاح، أن الانشغال الحالي للجهاديين في محاربة العدو القريب ـ حكام بلادهم ـ لن يمنعهم مستقبلاً من الالتفات إلى محاربة العدو البعيد، أي الغرب، ويركز الكاتب على الدور الاسترالي في مواجهة الإرهاب خاصة مع وجود إرهابيين استراليين في الشرق الأوسط.
ويختتم هذا المحور بموضوع “الثورات العربية.. حصيلة كارثية اقتصادياً واجتماعياً” ترجمة حسان هاشم، ويوضح كاتبه بالأرقام الإحصائية أن هدف الثورات لا يزال بعيداً جداً والحصيلة كارثية بامتياز.
وفي “محور الشرق الأوسط.. معطيات متحولة”، يترجم ياسر البشير بحث “التفكير النووي السعودي والتواصل مع باكستان”، الذي يكشف عن علاقات نووية غير عادية بين البلدين لمواجهة إيران تحديداً، وليس إسرائيل، حيث يعرف آل سعود أن لا خطر عليهم منها، مؤكداً أن السعودية تستثمر في تطوير أسلحة نووية مصنوعة في باكستان.
وضمن محور “نحو نظام عالمي جديد” ترجمت عناية ناصر بحث “العلاقات الصينية- الأمريكية والمتغيرات الاقتصادية السياسية الأمريكية”، حيث يؤكد كاتبه أن وجهات نظر واشنطن حول بكين تحولت بطريقة متنوعة وتفاعلية لتكون عقلانية وبراغماتية، وأن وجهات نظر مجتمع الأعمال الأمريكي اتجاه الصين معظمها ايجابية، وبالتالي يمكن، بحسب الكاتب، تطوير العلاقات لصالح الطرفين.
وفي محور “الإسلام والغرب.. مرة أخرى”، ترجم بشار بكور موضوعاً بعنوان “أنصاف الحقائق المحجبة: تصورات الرحالة الغربيين عن نساء الشرق الأوسط”، تفند كاتبته رؤية هؤلاء الرحالة باعتبارها الرؤية الغربية المشتهاة للأنثى، “الحريم”، في المشرق ومحاولتهم تثبيتها في نتاجاتهم الأدبية دون اهتمام بالحقيقة، مغفلين واقع المرأة في الغرب في تلك الفترة، والذي يماثل تقريباً وضعها في الشرق من حيث النظرة الذكورية الواحدة لدورها ومستقبلها، حيث اعتبرت، غربياً في تلك الفترة، مجرد وعاء جنسي وعاملة منزلية، وإذا كان لديها محاولات إبداعية ما عوملت باعتبارها مرضية يجب معالجتها طبياً.
أما صابرينا يحيى العقلة فقدمت ترجمة لبحث “العلمانية وسياسات الدولة والمسلمون في أوروبة، تحليل الاستثناء الفرنسي”، وهو بحث جيد ومفصل وعلمي يبين كاتبه أن أسباب ممارسة فرنسا سياسات تقييدية تجاه سكانها المسلمين ناتجة عن الصراعات الأيديولوجية بين العلمانية المقاتلة والعلمانية التعددية في فرنسا ذاتها.
وبعد، فإن القول إن “هذه الفظاعات يرتكبها أفراد ضلوا جادة الصواب، إنما هو قول يغض النظر عن انعدام التسامح الكامن أساساً في النصوص”، والأجدر القول “إنهم يدركون ما يفعلون وهم يقومون به باسم الإسلام وعن عمد”، بحسب هاشم، الذي يأسف لأن “الأمة الإسلامية إما هي في حالة إنكار دائم، وإما تقدم نفسها كضحية دائمة، متحصنة وراء إلقاء اللوم على الآخرين بدلاً من ممارسة النقد الذاتي”، وتلك وصفة الخسران المبين، بحسب دروس التاريخ ووقائع الحاضر، والأمل ضئيل أن لا تمتد الخسارة إلى المستقبل، لأن المراجعة الجادة والمعقمة لتاريخ ونصوص راسخة وحاكمة لم تبدأ بعد.
أحمد حسن