ثقافة

في المَشهد الثقافي

عبد الكريم النّاعم
قد لايكون جديداً ماسنطرحه، وليس كلّ جديد صواب وحقّ، ومثل هذا القول ليس أكثر من مساهمة في موضوع هام يشغل بال المفكّرين والمثقّفين والغيارى على مصلحة هذه الأمّة، لأنّه ليس أقلّ شأناً من مسألة الاقتصاد، بل لعلّه، في حال إنجازه، التتويج الأبهى لعبور الاختناقات، وسأتوقّف، مكثِّفا بقدر المستطاع، مشيراً إلى أنّ مفردة “الثقافة” أعمّ من مفردة “الأدب”، وأتوقّف عند النقاط التالية:
1-    كان تراجع اللغة العربيّة، في الجامعات، وفي المنتديات الفكريّة الثقافيّة، وعلى ألسنة مَن يحملون شهادات عالية، والتّغاضي عن ذلك، واحدة من الإشارات القويّة التي كان يجب التّنبّه إليها، وذلك للعلاقة القائمة بين مسألة النّهوض والوعي و… اللغة، فقد ظلّت اللغة أحد المؤشّرات الهامّة، سلباً وإيجابا، وهانحن أصبحنا أمام ظاهرة صارخة إذ يصعد إلى المنابر الأدبيّة مَن يزعمون أنّهم مُبدعون أدبيّاً! وهم لايعرفون المنصوب من المجرور، ويتقدّمون الصفوف على أنّهم شعراء، أو قاصّين، أو نقّادا! أمّا مسألة الإيقاع الوزني فهي لدى الكثرة الكاثرة من مخلّفات مالا يُؤبه به!
2-    مع انتشار الفيسبوك، والذي أصبح له جمهوره، وأهله، وأصدقاؤه، انتشرت الكتابة بالعاميّة، ولا أعني “الزجَل” بتفرّعاته، فذلك قام أصلاً على الكتابة بالعامية المُتداولَة، بل أعني الحوارات، وبعض الكتابات الصادرة من مواقع الوجدان، وآزر هذه الظاهرة أنّ إعلامنا لم يترك الفرصة تفوته، فصار عندنا مذيعات ومذيعون يقلّدون تفلّتات فضائيّات مشبوهة التوجّه، وإذا كان من المقبول أن تُجرى الحوارات بالعاميّة في برنامج، أو في مقابلة فلا بأس بالعاميّة المفصَّحة، وهي نُطق المفردات الفصيحة مسكّنة الأواخر، وهو أمر صار مقبولا حتى في المنتديات ذات القيمة.
3-    بروز الملتقيات الأدبيّة التي يُعدّ لها فرد أو مجموعة، على شكل صالون أدبيّ، موسَّع قليلا، ويُلقى فيها الشعر، والقصّة، وربّما رافق ذلك معرض للفنّ التشكيلي، وبمرافقة بعض الآلات الموسيقيّة، وقد يكون ذلك مشكورا في ظرف الأزمة التي تمرّ بها البلاد، لأنّه إيقاد شمعة بطريقة ما، بيد أنّ لهذه الملتقيات سلبيّات تتراكم، ففيها تًقدَّم بعض الأسماء، من الجنسين، على أنّهم شعراء، أو قصّاصون، أو حتى نقّاداً، وهم مازالوا يحبون، يُقدّمون على أنهم في ذروة الإبداع والنّضج، والجدارة، وفي ذلك الكثير من مجانبة الحقيقة، ولا يعدو أكثر من مايُقدّم، بحسب معرفتي أنّه تمرينات أوّليّة لأناس لديهم طموح في أن يصلوا إلى تلك الصدارة، غير أنّ تقديمهم فطيراً سيجعل من الصعب أن ينضجوا، وهذه الملاحظة لاتُقلّل من أهميّة أن تُقام تلك النشاطات، بل أن تُجَوَّد، وتكون أكثر إتقانا، وأن ترتفع سويّتها، ولا يغيّر من هذا الحكم أن تكون هناك بعض الأسماء التي اكتسبت جدارتها الأدبيّة، فنحن نتحدّث عن الغالب.
4-    قبل عشر سنوات إنّ لم تخنّي الذاكرة، وربّما أكثر، كتبت مقالة في إحدى صحف العاصمة أطالب فيها بوجود شيء اسمه “ألأمن الأدبي”، وقامت قيامة البعض، وقال ألا يكفينا مالدينا من فروع أمن، وهو قول خادع، واصطياد بالماء العكر، وقد قصدت يومها أن يكون حضور الرقابة الفنيّة الأدبيّة أكثر مثولا، إذ ليس من المعقول أن تُوافق الجهات المعنيّة على كلّ كتاب يتقدّم به صاحبه لنشره على نفقته الخاصة، مهما كانت سويّته، مادام لايقترب من المحظورات الواردة في التّعليمات، لأنّنا في مثل هذه الحالة نكون كمن يساهم في تمرير البضاعة الفاسدة لِتُغرق السوق، ولا أدري كيف يُمنَع ذلك بالنسبة للبضائع، ويُسمَح به أدبيّاً، ولقد أشار إلى هذا الأمر كتّاب آخرون، وأنا الآن انتهز الفرصة لإعادة طرح هذا الموضوع، فلا تسمح الجهات الرّقابيّة المعنيّة ( وزارة الإعلام- وزارة الثقافة- اتحاد الكتاب العرب) بطباعة أيّ كتاب لا يرتقي إلى سويّة أدبيّة فنيّة تُحلّه مكانه في عالم الكتابة.