ثقافة

للحالمين بوحهم للأديب رياض طبرة عندما يتفلت البوح من الأصابع فيرسم دنيا يحميها الأمل!

في البدء كان العنوان..” للحامين بوحهم” والذي بدوره يعكس بوحاً معترفاً به رغم تواريه بين ثنايا الحلم وكأن اللحظة قد حانت لهذا البوح.
ولأن الحلم يأتي بعد الأمل فلابد لنا أن نشير إلى أن مجموعة “للحالمين بوحهم” للأديب رياض طبرة تعتمد في مقامها الأول على الأمل الذي لا يمكن للإنسان أن يحيا من دونه مهما كان مضرجاً بالألم تغافله الخيبات إذ يقول: “تورمت أحلامنا، دفعنا إلى اجتثاث بعضها أنفاً عنا، صار لزاما علينا التنسيق  بين هذه الأحلام والظلام المخيم والخبز الجاف وأطباق الحرمان” هذا الفعل المبني للمجهول (دفعنا) مسبوقاً بتورمت أحلام الصورة غير التقليدية لاستفحال حلم إلى درجة التورم يحمل رسالة غير مسبوقة لاستدراك ما يعنيه الكاتب ويدفع المتلقي للبحث والتقصي عن أبعاد الأحداث في المجموعة القصصية حيث أن لكل منا حلم بات متوجعاً متورماً حتى وإن كنا لا ندري.
وبالانتقال لعناوين قصص المجموعة نجد أن الكاتب قد اختارها سهلة بسيطة وشديدة المباشرة أحيانا دون مواربة (لاتشهد بالزور، العربجي، سماحة المقتدر، فجور)
يعتمد الكاتب أسلوب الشفافية في إيصال المعلومات وما يحمله السرد من معاني وصور تعكس  حالات عدة في المجتمع بالرغم من إصراره على استخدام المفردات العربية الصريحة الموغلة في القدم (زؤان، أساطين)
كما يرتكز الكاتب ويعنى بالجوانب النفسية للشخصيات ومنعكسات الحياة عليهم فيقول في قصة “يوم الرماد”: “تمادى بعضهم في الرأي وتمادى في طلباتهم الإلغائية: لا عيد بعد اليوم .. سر الحزانى” وفي قصة أخرى: “العربجي”: “سكتت ميرنا خشية أن يسمع أحد ماتفكر به، راحت تبحث عن أمر يخرجها من هذا الشرود المحفوف بالمخاطر”..
كذلك كانت قصة عازف الناي التي انحرفت عن مسارها وكأنها تفلتت من سيطرة الكاتب لتستقل بنفسها وترسم خطوطها الخاصة كشخصية صابر على الخصوص بينما ظلت شخصية شهد تتماهى تحت ظلال شخصية ميسون التي أراها الكاتب وصابر معاً.
فيما كان السرد سهلا سلسا متماسكاً ملامسا للواقع لا يخلو من بعض الملاحظات التي تعمدها الكاتب لإيصال رسائل خاصة إلى المتلقي متقصياً كافة جوانب الحياة بوجعها وبوحها وقد تمكن من النطق بألسنة الشخصيات وكأنها تعيش معه فالبوح بلسان الأنثى والفتاة لم يكن مقولبا صعبا بل كان مترابطا حقيقيا وهذا ما سهل للكاتب اختيار قصصه الملامسة للواقع المعاش دون أن يوضح ذلك علنا فكانت بداية قصص مجموعته تحكي قصة الوجع والألم وما سيتلوه من قيامة وتفاؤل وقد تجلى ذلك في قصتي “للحالمين بوحهم” وهي التي حملت عنوان المجموعة و”ساحة السير” التي تروي أحداثاُ ماضية تبدو شبه تاريخية في سردها إلا أنها تلامس أيامنا هذه، كما تبدت ملامح المحكي الطويل في باقي القصص بغية جذب القارئ إلى ما وراء المكتوب.
وللكاتب عناية خاصة باختيار صوره القصصية إذ يربط بينها ويتنقل بسلاسة مستخدما الأساليب الشعرية والتشابيه والصور مستفيدا من رهافة الجمل والتعابير  حتى في التعابير القاسية وشديدة الألم يقول في قصته (العربجي): “نزلت كمن تبحث عن صديق افتقدته، مدينتها مازالت وستظل عشقها الأبدي وهاهي تصرخ من جديد: ليس لمدينتي أن تلبس سواد الصمت أو تكون رمادية السكون ليس لها أن تضع رأسها في الرمال أو تدع الرمال تحدد مسار خطواتها هي مدينة الضياء إذ ما علي إلا أن أكون أول  تاء تأنيث تتسكع في مساءات المدينة وصباحاتها سأشق الدرب للخائفات.. وأفتح نوافذ العيون على ما في المدينة من خبايا  لكنني سأسعى للملمة الحزن عن الشفاه المرتعشة”وهو المونولوج الذي تبدت فيه جل ملامح شخصية ميرنا التي كانت الأبرز في قصة (العربجي) التي خلت من الضبابية المتعمدة لأقلية الشخصيات بحسب ما احتاجته القصص لاكتمالها رغم أن لكل قصة حكايتها وعالمها الخاصين القائمين بحد ذاتهما.
ديمه داوودي