محليات

أولويات الفاسدين!!

من قرأ تصريحات وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك حول مشروع قانونها الجديد، يظنّ أننا سنشهد تحولاً جذرياً في الأسواق لجهة ضبط الأسعار ومنع الاحتكار، والسؤال: هل هذا ما سيحصل فعلاً؟!.
الوزير يرى أن من أهم الأمور الجديدة في مشروع القانون، زيادة العقوبات الرادعة التي تمنع التلاعب بالأسعار، وعدم الإعلان عنها أو الامتناع عن بيع سلعة!.
نرى أن النص «على رفع الغرامة والسجن للمخالفين» يعني فتح أقنية مغرية للفاسدين والمفسدين لتسوية المخالفة بمنأى عن مواد القانون الجديد!.
لم تكن المشكلة في السابق بإحالة المخالفة إلى القضاء أو بكونها تأخذ زمناً طويلاً للتحصيل.. فالمشكلة كانت ولا تزال في آليات الرقابة نفسها.
وبدلاً من استحداث عقوبات شديدة ضد التّجار والبائعين المخالفين، كان على وزارة التجارة إغلاق الأبواب التي تغري الفاسدين في مديرياتها بابتزاز المخالفين، وتمنعهم من عقد “اتفاقات جنتلمان شفوية” بينهم وبين المسيطرين على حركة المواد والسلع والأسعار استيراداً وتصنيعاً وتوزيعاً!.
وبما أن التجارب أثبتت أن الأنظمة والقوانين التي تستهدف المخالفين على مدى العقود الماضية لم تكن مجدية ولا فعالة.. فلماذا لا تُجرّب وزارة التجارة الداخلية آلية جديدة وأكثر فعالية عنوانها «الأولوية لاجتثاث الفاسدين في الجهات الرقابية المسؤولة عن حركة المواد والأسعار في الأسواق»؟.
لنكن صريحين وشفافين ونعترف أن “العلة” في شبكة الفاسدين في الجهات الرقابية، وعلى رأسها التابعة لوزارة التجارة الداخلية، ولولا وجود هذه الشبكة وقابليتها لممارسة الابتزاز لتحقيق الإثراء غير المشروع لما تجرّأ التّجار ولا الباعة على ارتكاب المخالفات والتلاعب بمواصفات السلع والمواد والأسعار!.
لاجتثاث هذه الشبكة أو على الأقل مكافحتها وتقليص تأثيرها للحدّ الأدنى، يكفي النصّ على تغريم الفاسدين في الجهات الرقابية بمبالغ كبيرة وبسجنهم لمدة لا تقل في حدّها الأدنى عن خمس سنوات، ما يشكل رادعاً قوياً يحول دون ابتزاز المخالفين مخافة أن يشوا بهم إلى رؤسائهم!.
أما بالنسبة للقطاع الخاص فلا جدوى ولا مبرر لتغريم المخالفين والمفسدين منهم وسجنهم، فالإجراء الذي “يقتلهم” هو بمنعهم من الاستيراد لمدد متدرجة من سنة فسنتين فخمس سنوات.. الخ.
والإجراء الأكثر فعالية بحق المخالفين والمفسدين في القطاع الخاص، يكون بمصادرة محتويات مخازنهم ومستودعاتهم وبيعها لحسابهم في الصالات الحكومية والتعاونية بالأسعار المقررة في نشرات وزارة التجارة الداخلية.
بالمختصر: نحتاج لآليات فعالة تمنع التعاون والتنسيق بين الفاسدين والمفسدين.
علي عبود