ثقافة

قراءة في ديوان الشاعر محمد سعيد العتيق “شذى الروح شِعري- وجدٌ وعشّاق شآم”

صدر مؤخراً للشاعر الدكتور محمد سعيد العتيق ديوان شِعر بعنوان (شذى الروح شِعري- وجدٌ وعشّاق شآم)..وقدَّم الديوان الأديب غسان كلاس، وتضمّن خمساً وثلاثين قصيدة من الشِعر المنظوم، تنوعت أوزانها لتشمل مُعظم بحور الشِعر ولم يحتو الديوان فن الشِعر فحسب بل زُين بلوحاتٍ للخط العربي للفنان بديع جحجاح وقد تشكلت كلُّ لوحة من حروف عنوان القصيدة التي تليها. وقد آثر الدكتور العتيق أن تكون اللوحات برسم الخط العربي دوناً عن سِواه من فنون الرسم للدلالة على أهمية تعلقنا بلغتنا العربية الجميلة ووجوب تقديرها في زمنٍ يعصف بكلِّ ما هو جميلٌ وأصيل. وقد بدا لي الديوان كمحرابٍ تُعانقُ فيه غزارة الألوان التنوع في سِحر البيان.
تنوعت مواضيع الديوان بين القصائد الوطنية التي تغنى فيها الشاعر العتيق بوطنه سورية، وبين قصائد الغزل التي اتسمت بالعذوبة والسلاسة ممزوجةً بجزالة الألفاظ، ولا يستطيع أحد التمييز بين تلك القصائد التي كتبها شاعرنا حين كان في بلاد الغربة وبين تلك التي كتبها وهو هنا في وطنه. وذلك إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على شدّة تعلق هذا السوري الأصيل بوطنه، فهو أبداً ودوماً في اشتياق لهذا الوطن، بعيداً عنه كان أم قريباً منه.. جاء في قصيدة (عَينَايَ فِي وَطَنِي نَجْمَانِ تَسْكُـنُهُ)
هَارُونُ كَانَ رَشِــيداً حَازِماً بَطَلاً       هَلْ فِي زَمَانِي رَشِيدٌ عَادِلٌ حَكَمُ
ضُرُوبُ حِقْدٍ أَشَاعُوهَا عَلَى وَطَنِي     وَخَطَّطُــوا، ظَنُّهُمْ لا بُــدَّ نَنْقَسِمُ
وَرَاعَنَا غَـدْرُ أَهْلِينَا وَحِقْدُهُــمُ          خِيَانَةٌ مِنْ جِدَارِ البَيتِ وَيلَهُمُ
في النصوص الأدبية هناك عدة مستويات من التناول فالكاتب الهاوي يعمل على تصوير الأمور من خلال اللغة لا أكثر ولا أقل، بينما يلجأ معظم الكتاب المتميزين إلى تشخيص الحالات أو القضايا التي يتحدثون عنها وأما المستوى الأكثر عمقاً من التناول للقضايا والشؤون الإنسانية فهو ذلك الذي يتم فيه معالجة القضية بعد تشخيصها وكما هو جلي -مع الأسف– أن معظم النصوص الأدبية المطروحة اليوم تطغى على جُملها الصيغة الخبرية ومن قبيل التصوير، أي الإحاطة بظاهر الشيء من خلال البيان اللغوي، وهذا ما لم يقع فيه الشاعر العتيق في القصيدة السابقة حيث يُشخِّصُ الحال بالخيانة ثم يرسم المنعكس لفعل الخيانة ويذكّر بتاريخ العرب والذي كان مُزدهراً ومشرقاً حين كان يسودهم الوفاق واللُحمة  والذي كان أسوداً ورهيباً حين سادتهم الفرقة والنزاعات وأرى في قوله:
( يَاأَهْلَنَا هَلْ رَضِينَا الذُّلّ مِنْ عَجَمٍ       إنْ مَالَتِ الشَّمْسُ بِالأَجْرَامِ تَرْتَطِمُ)
سؤال على سبيل التعجب والاستنكار، وصورة بديعة حيث أن الشمس هي العزّة والكرامة وهي تطارد الليل الذي يرمز إلى الذل لكنها مع الأسف ترتطم بالأجرام وسط استنكار العتيق وكأنه يقول سورية الأبيّة، سورية العز تحارب الرجعية والإرهاب المتمثلان بتنظيم (داعش) ولكنها مع الأسف تصطدم بالأنظمة العربية عوضاً عن أن يكونوا حولها وفي مدارها في سماء العزة والكرامة.
وكان لغزّة ولبلاد العرب النازفة نصيب في قصيدة (سأبقى حالِماً وتطيرُ صقراً)
وغزّة قد نَسُوا والشام تبكي      جراحٌ نازفاتٌ في العراقِ
وهاكم مقتطفاً من شِعر الغزل يبثنا فيه العتيق لوعة فراق الحبيب في قصيدة (الرُّوحُ تَهْوَىْ والهَوَى إِجْبَارُ)
وَجْدٌ وسُهْدٌ مِنْ فِرَاقٍ وَالجَوَى           والدَّمْعُ والآهَاتُ والأَقْمَارُ
يَتَقَلَّبُوْنَ عَلَى جِمَارٍ مِنْ جَوَىً            والبُعْدُ فِي كَبِدِ النَّهَارِ جِمَارُ
وإِذَا عَطِشْتِ فَعَيْنُ عَيْنِيْ مَنْهَلٌ         فَالــوَرْدُ مِن دُوْنِ النَـدَى إِقْفَــارُ
وفي الختام لا يسعنا سوى الترحيب بعودة هذا الشاعر المجلي إلى وطنه وترقب ديوانه المُقبل ليبوح بلسان حالنا عما يختلج في أعماقنا إزاء ماحلَّ بوطننا الحبيب.
سامر منصور