ثقافة

من بيروت.. المشكلة في “الفكة والأم بتلم”!.

ولماذا الاستغراب أو الاستهجان، هو سوريّ مثلي، مثلي تماماً، يحمل في جعبته جواز سفر أزرق اللون، نقش على غلافه النسر العربي السوري، لا تنظروا إلى وجوه بعضكم البعض، الكل يحفظ هذا النقش عن ظهر قلب، ويميّزه عن سواه من أنواع النسور الأخرى..
لو فتشت محفظته الخاصة ستجد بطاقة هوية، تبدأ مطالعها بعنوان عريض، الجمهورية العربية السورية، كل السوريين يحملون البطاقة ذاتها، كل السوريين متساوون تحت هذا الشعار، من أي طيف كانوا، إلى أي ملة ينتسبون، عليّ ما عليهم وعليهم ما عليّ..
كان يتقاضى راتبه مثلي، مثلي تماماً، كل آخر شهر، أوافقكم الرأي، وأنتم محقون بكل الوشوشات التي همستم بها في أذان بعضكم البعض، “لولا العيب لرشقت ذلك المحاسب على وجهه بتلك “الفكة”، التي لا تسمن ولا تغني من جوع”، هذا هو حال كل الموظفين، أذكر عندما كان محاسب التربية ينقل الرواتب إلى المدارس النائية بواسطة الدراجة النارية، ولا يستطيع أيٌّ منكم النكران الآن، كنتم تتلهفون لوصوله.. لو أن شهور السنة كلها متساوية، لو أن آخر يوم في الشهر لم يأت يوم الخميس، لما تأخر ذلك المحاسب اللعين، لكن الأمل بوصوله لم ينفذ.
غادر الرجل بلدته الريفية الوادعة، طموحه أكبر منها، وبالفعل هو طموح، ينظر إلى الحياة من زاوية أخرى، كيف لا أدري، لكنني متيقن بأنه سيصل إلى ما يرجوه.
دمشق.. الأم النهمة للمواهب، العطشى دائماً إلى الإبداع، تلقفته بفطريتها، عطّرته بياسمينها، ولست الآن بصدد الحديث عن الأم التي تحتضن أبناءها، لأنها أم، والمثل يقول: “الأم بتلم”، صح فيك هذا القول يا سيدة الياسمين، خلقت لتكوني أماً..
تدرّج الرجل في وظائفها الأولى، لم يعد ينتظر المحاسب صاحب الدراجة النارية، كل الأيام لديه آخر شهر، “الله يحميك يا شام خيرك كثير”، أعتقد أنه لم يفتح المظروف الذي يضعه محاسب الدائرة فوق مكتبه منذ زمن، أنا متيقن، لا بل متأكد تماماً بأنه يعتقد أن في المظروف بعض “الفكة”، والتي لا تغني ولا تسمن، لديه “مداخيل ومداخيل أخرى”، وما الضير في ذلك، أليس لكل مجتهد نصيب؟!!.
سطع نجمه، كان نحريراً حاذقاً، يمتلك موهبة الكتابة، رأيته عبر التلفاز لمرات عدة، اعتقد بأنه حقق حلمه المنشود، حين تربع على عرش مجده..
بيروت، آه من تلك الشقية بيروت، في بيروت أجهزة ذكية لكشف المعادن، لا يمكنك بيع الذهب الروسي، على أنه ذهب خالص من عيار 24، الذهب الروسي هو ذهب روسي فقط، كذلك في بيروت تكتشف معادن الناس، أيها السوريون كونوا متيقظين “ليس كل ما يلمع ذهباً”، وفي بيروت تحديداً تستطيعون تبديد جبل من الذهب الخالص، في ليلة واحدة.
خسر صديقنا كل شيء، أما أوصيتكم، لكن لا تبالون..
لن أزايد عليكم الآن وأقول إن الشارع السوري ليس منقسماً بين موالٍ ومعارض، وتلك ثيمة المجتمعات الراقية، لكن المتسلقين يطفون على السطح كقطع الفلين، تكتشفهم أجهزة بيروت الذكية.
علمت أن صديقنا ركب موجة المعارضة، وهذا جميل ولا ضير فيه، لكن ما هو ليس جميلاً، هو أن صديقنا تشتد معارضته قبل نهاية الشهر في أيام، يتحول من أديب شف إلى عدواني، يصب جام غضبه على خصومه المولاة عبر ضخ صور تقشعر لها الأبدان، لضحايا تلك الحرب الضروس التي فرضت على سورية.
سألت صديقاً ما بال هذا المهووس يجنّ جنونه في هذا الوقت من كل شهر، ربت على كتفي قائلاً: لا تهتم يا ابن جلدتي، صاحبنا ينتظر اتصالاً هاتفياً من أحدهم لكي يزوده ببعض “الفكة” ليدفع إيجار غرفته.
طلال مرتضى