ثقافة

من بيروت.. ربطات عنق انكليزية بنكهة اللحم السوري المباح..

لعل الحكاية آتت أُكُلها، قال بفطرية: أقرأ كل حرف تكتبه في جريدة البعث، سلسلة مقالاتك المعنونة من بيروت تشدني وتبهرني، للوهلة الأولى وبصراحة توجست منه، قلت في سري، إن الرجل من الجماعة إياهم، لأنك في هذه الفترة لم تعد تستطيع الفرز، الكثيرون مما كنا نأكل ونشرب معهم، وكانوا يشاركوننا جل تفاصيل حياتنا ــ بين عشية وضحاهاــ انقلبت موازينهم شر انقلاب..
قطع علي هجسي قائلاً: يا أستاذ بت انتظر جديدك بشغف، في هذه السلسلة البيروتية الساخرة، كما كنا ننتظر مسلسل “كساندرا”، مع فارق التشبيه طبعاً.
شاب سوري، في وجهه ماء، ضاق به الرغيف في بلدته الوادعة يوماً، أغوته بيروت، في خبز بيروت كثيرا من الحليب والسكر المجفف..
خبر الوجع، خبز الضمير الذي قتلناه غيلة بيننا كسوريين، عندما ضاقت بنا سوريتنا الواسعة الحب، ولا أدري كيف شتتتنا أم شتتناها، والأمران سيان..
أصر على دعوتي لارتشاف فنجان قهوة في مقهى بيروتي قريب، رضخت أمام هذا الإلحاح، ولم أدر ما الغاية من وراء هذه الدعوة، التي لم أكن بانتظارها يوماً..
شارع الحمراء البيروتي، الشارع الذي ينسى بسرعة رواده، لا ذاكرة له، فهو ليس كشارع الحمراء الدمشقي بالمطلق، ومقاهيه لا تشبه مقهى النوفرة، والهافانا، والروضة..
انعطفنا يميناً عند مفترق ملك البطاطا الشهير، دلفنا شارع المكحول، ثم يميناً حيث مقهى “كافيه غلوريا جينز” الذي يدير ظهره لشارع الحمراء، وكانت القهوة “الأكسيبرس..
نكزني مستضيفي قائلاً: انظر إلى ذلك الرجل المتأنق هناك، إنه سوري.
ــ وما الضير في ذلك، كل السوريون يتأنقون؟!.
ضحك بهزء، هامساً في أذني هذا من جماعتك، استهجنت لكلامه، ليصار إلى التوضيح، أنه ممن أكتب عنهم في سلسلة “من بيروت”..
ــ لكن ملامحه تحمل ملامح رجل أعمال حقيقي، انظر إلى “البايب” الذي يدخن به يارجل، بالمطلق وجهه لا يشبه وجوه أبطالي.
ــ أنت لا تعرفهم يا أستاذ، هؤلاء يتلونون كالحرباء بألف جلد وجلد، هذا الذي تراه الآن هو “المعلم” في هذه المنطقة، نحن الآن نجلس في منطقته، افهم علي يا أستاذ الله يخليك.
تراءى لي في هذه العجالة، مسلسل باب الحارة، استذكرت العقيد، قلت:
ــ “منيح حتى هون عنا عقيد، هذه حارة العقيد المكحول، السوري وين ما بيروح بيعمل عقيد”.
توتر مستضيفي مستهجناً، وقال:
ــ هذا الرجل الذي تراه الآن، يستأجر عائلات سورية فقيرة، ويشغلها في كار “البويا وبيع الورد، يشغل النساء والأطفال الرضع في كار التسول، ولديه من الفتيات الجميلات يستغلهن في كار (استغفر الله العظيم)، هذا ابن حرام، كل اللي شفتهم بالشارع هم يشتغلون عنده، تحت إمرته مجموعة من الزعران والحشاشين، يطردون أي متسول دخيل، أعرف الكثير عنه، الطفل الوسيم يبيع الورد، والبشع للبويا، ويستأجر الطفل المعاق براتب أحسن من راتب مدير عام بالشام، بتعرف يا أستاذ أنو كل يوم الصبح لديه قافلة من الفانات تنقل النساء والأولاد إلى هنا، وفي المساء تعيدهم إلى أطراف بيروت حيث يسكنون في الأحياء الفقيرة، عد في مساء الغد لترى كيف يجتمعون للذهاب إلى بيوتهم”.
هي الحقيقة بأم عينها للأسف ولا سواها، بعض الكائنات تختفي في بزات أنيقة وربطات عنق انكليزية المنشأ، يخرج من تلك البزات عفن مقرف ومقيت.
يا ألله.. كم أفرزت أزمتنا رجال أعمال على شاكلة صاحبنا، سؤال يلكز لساني:
ــ كيف يستطيع هؤلاء النظر في وجه سوريتنا في الغد الأتي، أسألكم باسمها أن تتركوا لي إجاباتكم هنا، دون تحيز وبكل شفافية.
طلال مرتضى