ثقافة

المصطلح الواقعي والصنعة في الشعر وذاكرة المكان في اتحاد الكتاب الفلسطينيين

أثارت جلسة الأربعاء في مقرّ الأمانة العامة لاتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين جملة من القضايا الأدبية في أجوائها الحوارية النقدية بحضور عدد من الأدباء والمهتمين وتمحورت حول الحديث عن مصطلح الواقعية كمذهب والتمييزبينه وبين النقل عن الواقع بلغة إخبارية يبعد القصة عن ماهيتها الحقيقية ،كما نوقش مفهوم النصّ المغلق الذي يخضع للتأويل والتحليل ويشدّ المتلقي ليستنبط الأفكار ويجيب عن التساؤلات.

وبقيت المساحة الأكبر لتقنية القصّ التي تخضع لثقافة الكاتب وميوله،ولم يكن الشعر بعيداً عن فضاءات النقد والحوار واختلاف الرأي حول إدخال الصنعة إلى الشعر .وقد استضافت هذه الجلسة الناقد عماد فياض شاعراً والأديبين أيمن الحسن وفاتن ديركي والشاعران محمود حمود وسمير بدرة ،ترأس الجلسة الكاتب أحمد جميل الحسن الذي طرح سؤالاً للناقد الذي يطلب من المبدع نصّاً نخبوياً؟ وأكد على ضرورة الكتابة للعامة؟ وضرورة الاعتراف بوجود مستويات للكتابة.

تعزيز الانتماء
بدأ الناقد عماد فياض بقراءة قصيدة رومانسية بعنوان “كنّا نحبّ الشتاء” الممتزجة مع المنازل العتيقة والمعبّرة في الوقت ذاته عن الشتاء الداخلي للإنسان ،ورغم سكونيتها وجماليتها إلا أنها تضاءلت إزاء القصيدة الثانية التي كانت وليدة شعب فلسطين الذي يرنوإليها ،فكان للذاكرة ولوقع المكان بين تتالي الصور البلاغية والوصف أكبر الأثر في تعزيز الانتماء والصمود والتصدي لكل محاولات العدوان “أنا الولد الفلسطيني
أنا صاحب القمح الذي/يرث المكان/وساعة الرمل التي تحصي الثواني/لاتنام/أنا سيد البئرالقديمة”

المزج بين الغرائبي والواقعي
ثم قرأ أيمن الحسن قصة بعنوان “مسك ومسك”جاءت ضمن مساره الأدبي المبني على الحداثة السردية والبحث التجريبي عن المختلف وكسر المألوف واستخدامه تقنيات القصّ المركبة، نلمح فيها تعدد الأصوات لثنائية الرجل والمرأة ،وتميّزت بالرمزية والدلالية في أنسنة الحيوان واستعارة مسك الظبي ورائحته للإيماءة إلى اشتياقه وبالتالي لرائحة مسك زوجته التي تبوح بالخيانة، إذ عالج في القصة مسألة خيانة الزوجة بجرأة ورغم وضوح المضمون الإنساني للقصة إلا أنها كانت موضع غموض وجدل لدى كثيرين لأنها اتسمت بتقنية قصصية مركبة ،فمزج بين العوالم الافتراضية لروح الأسطورة والنزوع نحوإله الحرب والعنف لتأجيج الصراع الداخلي الذي ينشب نار الغيرة في قلب الرجل الطيب المتسامح الذي حاول تجاوز الهفوات،”وحكت له أن لذكر الغزال _يسمى ظبياً _رائحة فواحة ثمينة ..فظل وفياً لها بالفعل يعبّر عن اشتياقه لرائحة مسكه الواحزة عاش طفولته وحيداً وسط الرجال بعيداً عن حضورالمرأة” ،أما قصته الثانية “الحذاء الموعود” فهي قصة مكثفة اتسمت بتعددية الشخوص والربط بين الماضي والحاضر والحوارات الصغيرة ،فجنح فيها نحو الأسلوب الواقعي والإحساس الإنساني في كشف خطوط ملامح حبّ قديم، لكن المفاجأة جاءت في قفلتها المفجعة والتي اختزلت ما نعيشه حينما جاءت المرأة على كرسي متحرك بعد أن أصابت قذيفة مقرّ الصحيفة التي تعمل فيها فبترت ساقيها ،في اللحظة التي أحضر لها الحذّاء الحذاء الموعود الذي ربما يكون رمزاً لشيء ما.

السرد الدرامي
وألقت القاصة فاتن ديركي قصة اجتماعية ذات مضمون إنساني اعتمدت فيها على مهنتها كمحامية فاستمدت أحداثها من ملفات القضاء بعنوان “اللقيط ّ” كانت أشبه برواية صغيرة اتسمت بتعدد الأزمنة والإسهاب بالسرد الذي مضى بوتيرة واحدة ولغة واقعية سلسة مستخدمة ضمير المتكلم في طرح خطوط الحدث ،وتمثلت ذروته بقراءة مصطفى مذكرات أمه ومعرفة الحقيقة التي فسرت له المفارقات الأسروية التي تعرض لها والتفرقة والتمييز بينه وبين أخيه الأصغر ،وهنا تغير الخطاب الدرامي للقصة ليمضي نحو التحليل السيكولوجي للشخصية وما يعتريها من ذهول ،فأصيب مصطفى باهتزاز داخلي وانكسار شديد أودى به إلى الانحراف وإلى تعاطي المخدرات والهرب من العدالة ومن ثم الموت”في الوكر الصغيروعلى ذلك الفراش المهلهل استلقى مصطفى مغمض العينين هادئاً مبتسماً ،وهو يعانق ورقة رُسم عليها امرأة ورجل” .وما أُثير حول القصة أن الكاتبة لم تعتمد على تقنية تصعيد المنولوج وأطالت في الوصف وأخطأت باختيار العنوان الذي كشف ملابسات القصة.

التنوع  في البحور الشعرية
أما قراءات الشاعر محمود حمود _الذي حصل على جائزة ناجي نعمان الدولية من بيروت _لنصوصه الوجدانية فتميزت بفيوض العاطفة المتقدة وتناغم الجرس الموسيقي للقافية والروي والتزامه بقوالب الشعر القديمة وتعدد بحور الشعر في قصائده التي اتخذ بعضها أسلوب الواعظ وكانت موضع نقاش حول ذلك ،ولكن في ومضاته الصغيرة برع في تنوع الصور والتشابيه واستخدام الأضداد .ومن مجموعته “فضاء الحب”
بسطتُ كفي إليك/وغرتُ دهراً عليك/وأنت قدّام عيني/فهل ترى ألتقيك”

موضوعات جديدة بالشعر
ومثلت قصيدة الشاعر سمير بدرة قيمة الوفاء والنبل والإحساس بوجع الآخر فتناولت قصيدته العاقر التي تنتمي إلى الشعر القصصي  المقفى قصة رجل عقيم يواجه زوجته بالحقيقة ويترك لها حرية القرار ،فيتأجج الإيقاع الداخلي بين أشطر القصيدة ما بين عاطفة الأمومة وحبّ الزوج ،لينتصر الحب .وقد أعجب الحاضرون بنسج ألفاظ تقطر ألماً وحزناً، وفي الوقت ذاته تثير الانتباه إلى تغييرنظرة المجتمع إلى العاقر والعقيم وعدم الانتقاص من إنسانيتهما .وكان لأحد الأدباء رأي باستخدام الشاعر البحر البسيط الذي لاينسجم وفق رؤيته مع طبقات الصراع ،واقترح أنه كان من الأفضل استخدامه البحور الأكثر تعقيداً ،ولكن الشاعربدرة ردّ بأنه لا يدخل الصنعة إلى الشعر.
“جاءت إلى غرفتي والوجه مبتسم/ترنو إليّ ودمع العين ينسدل/وقبلتني وقلبي كله شغف
على شفاهي على خدي وتبتهل/أرجو الإله بأن يحفظك لي رجلاً”
ورغم تباين الرؤى النقدية والذائقة الأدبية تبقى جلسة الأربعاء مساحة مفتوحة للحوار والخطاب.
مِلده شويكاني