محليات

حديث الـ5 سنوات..

عندما خرجت الحكومة منتصف عام 2011 بمشروعها التكتيكي “برنامج تشغيل الخريجين الشباب” النابع من إيحاءات الأزمة وحلولها الإسعافية، كانت النيات والتبريرات تصبّ في رفد الجهات العامة بكوادر إضافية من خارج الملاك العددي والمساهمة في توفير فرص عمل لخريجي الجامعات والمعاهد المتوسطة، فضلاً عن إكساب الشباب المستفيدين من البرنامج خبرات عملية خلال فترة التعاقد تزيد قدرتهم على الاندماج بسوق العمل.
على الأقل هكذا كانت تتحدّث الأهداف المعلنة للبرنامج الطموح الذي أشعل عند آلاف العاطلين والمتعطلين عن العمل ولاسيما من ذوي الشهادات أملاً منتظراً، ولو أنه لا يتمتع بالديمومة كما يبدو من ظاهره ومضمونه، ولاسيما أن فترة الخمس سنوات للتطبيق لم تكن تشكل توجّساً عند المنخرطين والمستفيدين الذين غلبت عليهم سكرة الفرصة الذهبية، لتأتي هذه الأيام وبعد نحو 4 سنوات على التفعيل فكرة الواقع الذي ينبئ بأن العدّ العكسي لعمل الشباب سينتهي بعد نحو عام أي مهلة نهاية المشروع الذي حصّن نحو 25 ألف شاب بمعدّل 10 آلاف مستفيد سنوياً في حواضن زمنية مؤقتة ليس إلا.
عبر سنوات عمل الخريجين الشباب وإعلان انضمامهم إلى صفوف موظفي الدولة بشروط ومعايير محدّدة، حاول معظمهم إيهام نفسه أو على الأقل تكذيب الواقع بأنه ليس موظفاً عابراً للجهات العامة ومتعاقداً لخمس سنوات فقط، بل صدق الكثيرون أنفسهم أنهم أصبحوا أصلاء، ومن يدخل بوابة القطاع العام لا يخرج منها بسهولة، ففي الحالتين ثمّة أدبيات ومعايير تعوّد عليها المواطن من دولته التي تستوعب ولا ترمي بأبنائها الموظفين على عكس الخاص الذي لا يهمّه أي اعتبار اجتماعي بل للمصلحة القوّة الأكبر في هذه المعادلات.
كثير ممن تسألهم عن مستقبلهم التعاقدي قبل سنة من انتهاء مدة تشغيلهم، يشيح بوجهه محاولاً إبعاد الفكرة بأنه أصبح عاملاً وليس مجرّد متدرّب ومؤهّل ومستفيد من الخبرات سيزجّ من جديد في سوق البطالة، ولذلك يمكن تشبيه التجربة بإضبارة العقود الموسمية ونصف السنوية والسنوية التي تلعب في فضاءات التحوّلات والانعطافات الدراماتيكية والاستثنائية لجهة تسوية أوضاع من يوسمون بالمؤقتين والموسميين وانتهاءً بعقود الخمس سنوات على اعتبار أنهم أصبحوا كفاءات من غير المقبول التخلي عنهم جزافاً بشكل غير مدروس، لأن مفاعيل وانعكاسات إنهاء العقود قد تكون سيئة ليس على صعيد الضرر الملموس في الشارع بل من حيث تكبير جرح التنمية المفتوح أصلاً على وجع البطالة التقليدية ورديفتها المقنّعة.
لا شك أن وجهات النظر المتعلقة بالتجربة متداخلة وكثيرة جداً بين مؤيّد ومعارض ومتخوّف ومتفائل ومستفيد ومستبعد، إلا أن الخطأ أو الورطة التي أوقعت الحكومة نفسها فيها واضحة لجهة دراسة النتائج وليس الجدوى الأولية للمشروع، إذ كيف للحكومة أن تحافظ على ماء وجهها في استحقاق نهاية الخمس سنوات، وكيف يمكن معالجة اعتباط من هذا النوع يزيد البطالة تعقيداً، وما رواتب السنوات الخمس سوى جرعة مؤقتة ، لتعود السّبحة وتفرط من جديد بعد عام من الآن، إلا إذا اتُّفق على مخرج تمديدي شامل أو تطبيق النصوص بالتقييم والمعايرة وإبقاء الأكفأ، وما عدا ذلك لا يعدو كونه رهاناً على قرار منتظر.

علي بلال قاسم