محليات

بين قوسين ترشيد حتى البخل..؟

يستحوذ حديث الترشيد على الحيز الأعظم من النقاش الحكومي والمجتمعي ليشكل في زمن الحاجة والقلة الهاجس الأكبر في طريق مهادنة الواقع وضمن إطار سياسة “اللحاف وطول الرجلين”، حيث وصل اللهاث وراء “الاختصار والاختزال والتأجيل والترحيل” إلى مستوى بات فيه “الاقتصاد” بمعناه اللغوي مهيمناً على سلوكيات المواطن وتوجّهات المؤسسات من زاوية الإجبار وليس البطولة التي يعتقدها بعضهم؟.
قد يكون الخطاب الرسمي محقاً في تقفّي أثر الصرفيات الحكومية والنثريات الرسمية والفردية في الجهات العامة، وكذلك الحال على مستوى الفرد في تعاطيه مع إنفاقه العام الذي تسمّيه هدراً في الموارد والإمكانات، ولكن أليس حريّاً أن نتوقف عند مواطن يعرف كيف يتدبّر أموره ويدرك أين يضع رأسه ليستبق أيّ حملة أو توجّه أو سياسة عبر حيثيات ويوميات تستطيع أن تلجم المتطلبات وتكبح جماح الحاجات من مستوى الثانويات والكماليات، ليتّهم المواطن في مرحلة ما بالتباخل ومسك اليد ليس من قبيل البطر بل الطفر وقلة الحيلة؟.
نعرف جيداً أن الموارد العامة والخاصة تعرّضت لضربات موجعة ولم تعُد الدخول المادية اليومية والشهرية والسنوية تكفي أياماً معدودات في ظل الارتفاع الهائل في الأسعار وقيم الخدمات، وبالتالي من الصعوبة بمكان اتهام المواطن بالبذخ والتبذير في وقت لا قدرة شرائية لديه، لا بل تصل الأمور إلى مستوى الكفاف عند أسر باتت تمضي الشهر وهي تحتال على واقعها الضعيف بعدما راح غول السوق يلتهم كل ما في الجيب وذهب زمان الوفورات والمدّخرات المأسوف على زمانها؟.
هنا يمكن القول: إن كتلة الرواتب والأجور التي تضخ من خزينة الدولة تعدّ المحرّك الأساسي لا بل الأكثر حضوراً في السوق، ولكن هذا الراتب لم يعُد قادراً على الصمود حتى لو اعتبرت جدّتي أن الثلاثين ألفاً التي يقبضها ولدها كل رأس شهر تعدّ رقماً مهمّاً وهي التي ما زالت ترى في الألف قيمة كبرى رغم أنها لا تساوي ثقل ووزن المئة ليرة أيام عزّ الليرة، وهنا يدرك المسؤول والمستهلك والتاجر معاً أن ما يساق من كلام حول أولويات الصرف والشراء لا ينطبق على الفرد الذي يطبّق الترشيد عن ظهر قلب،  في وقت يجب فيه أن تتوجّه الأنظار إلى الكوارث التي تشهدها المؤسسات وصفقات الشطارة المشبوهة باللفّ حول القوانين والقفز فوقها، ومن ثم تمرير مواد ليست أساسية بل كمالية عليها “فيتو رسمي” حفاظاً على الاحتياطي من القطع الذي يجب مداراته برمش العين.
علي بلال قاسم