ثقافة

الروائية آسيا جبار: رمزعال في سماء التاريخ وأيقونة المرأة الجزائرية

آسيا جبار أهم روائية عربية تكتب باللغة الفرنسية، انتصرت للإنسان في كتاباتها إذ كتبت عن الهوية والانتماء واللغة وناضلت من أجل استقلال الجزائر من الاستعمار الفرنسي عندما كانت طالبة في فرنسا، واختارت اللغة الفرنسية بسبب الاستعمار ومنع تدريس اللغة العربية، إلا أنها لم تتنكر لأصولها وثقافتها ووصّفت وضع المرأة المناضلة تحت وطأة الاستعمار وكانت دوما في صف النساء المتحديات للتقاليد، لذلك لقبت بـ “محامية النساء” ولها أعمال سينمائية كما ترجمت أعمالها إلى 30 لغة.
ولدت جبار واسمها الأصلي فاطمة الزهراء الملحيان في مدينة شرشال عام 1936 وتوفيت في السادس من هذا الشهر في أحد مستشفيات باريس عن عمر يناهز 78 عاماً.
في العشرين من عمرها كتبت أول أعمالها الروائية (العطش) عام 1953 التي صنعت شهرتها من خلالها، وجسدت فيها تحرر فتاة بورجوازية من قيود التقاليد والمحظورات الاجتماعية، وفي عام 1954 انتقلت آسيا جبار برفقة عائلتها إلى فرنسا لتصبح من أبرز الروائيين الجزائريين باللغة الفرنسية، وفي عام 1957 كتبت رواية “نافذة الصبر” ومارست الكتابة لأكثر من 50 عاماً، وأخرجت العديد من الأعمال السينمائية واهتمت بالتاريخ.
في عام 1958 تزوجت الكاتب أحمد ولد رويس وليد قرن الذي ألف معها رواية (أحمر لون الفجر) وانتقلت للعيش في سويسرا، ثم عملت مراسلة صحفية في تونس وتبنت طفلا في الخامسة من عمره من دار الأيتام في الجزائر وبسبب خلافاتها مع زوجها تخلت عنه وانتهت إلى الطلاق عام 1975 ثم تزوجت الشاعر والكاتب الجزائري عبد المالك علولة. بعد استقلال الجزائر عام 1962 قسمت جبار وقتها بين تدريس مادة التاريخ في جامعة الجزائر العاصمة والعمل في جريدة المجاهد الحكومية، واهتمت بالإخراج السينمائي وأخرجت فيلم (نوبة نساء جبل شنوة) الذي طرح سؤالا جريئا قسوة وقوة: من الذي دفع ثمن ثورة المليون شهيد في الجزائر؟ ونالت عليه تقدير لجنة تحكيم مهرجان البندقية عام 1979.
لقبت الروائية جبار بالكاتبة المقاومة لمناصرتها قضايا المرأة وكانت دائما تردد عبارات: أكتب ضد الموت، أكتب ضد النسيان، أكتب على أمل أن أترك أثرا ما، ظلا، نقشا في الرمل المتحرك، في الرماد الذي يطير وفي الصحراء التي تصعد. وتقول أيضا: الكتابة أرجعتني إلى صرخات النساء الثائرات في صمت إلى أصلي الوحيد، والكتابة لا تقتل الصوت بل توقظه وتوقظ على الخصوص أخوات عديدات تائهات، وكان شعار جبار في روايتها (ولا في أي مكان من بيت والدي): من بعيد جئت وإلى بعيد سوف أمضي والذي استعارته من الشاعرة البريطانية كاتين راين.
لم تزر الجزائر إلا مرة واحدة أثناء النزاع الدامي الذي شهدته البلاد في التسعينيات من القرن الماضي بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية المسلحة لتشييع جنازة والدها الذي كان يعمل مدرسا.
في عام 1980 أصدرت أشهر أعمالها بدءا بالمجموعة القصصية (نسوة الجزائر في بيوتهن) ثم روايات الحب الفانتازيا في عام1985و(الظل) ورواية (ليالي ستراسبورغ) التي تلامس الخيال والعاطفة والتي قالت عنها: لا تتفاجأوا إن قلت أنني كتبت هذه الرواية في 1997 في لويزيانا الولايات المتحدة الأمريكية عندما علمت وأنا بعيدة عن وطني بالمجازر المرتكبة في القرى فكتبت بإسهاب عن ليالي الحب الخيالية في ستراسبورغ وكانت خيالاتي أشبه بالعلاج النفسي. أيضاً كتبت جبار عن الموت أعمالا روائية منها (الجزائر البيضاء) و(وهران..لغة ميتة) و(الملكة المستترة) والتي تحدثت فيها عن نساء الطبقة الوسطى والغنية تصور فيها امرأتين تحاولان التخلص من القيود الاجتماعية التقليدية.
تمسكت جبار بأرضها وارتبطت بآلام شعبها خصوصا بعد اندلاع أعمال العنف واستهداف المثقفين ونشرت روايتها (بياض الجزائر) في عام 1996 وبكت فيها أصدقاءها المثقفين الذين اغتيلوا في العشرية السوداء بالجزائر وأخرجت فيلما طويلا للتلفزيون الجزائري عام 1977 بعنوان “نوبة نساء جبل شنوة” نال جائزة النقد الدولية في مهرجان البندقية السينمائي ثم فيلم “الزردة” عام 1982 وروايتها الأخيرة (لا مكان في بيت أبي) الصادرة في 2007 وفيها عادت إلى سيرتها الذاتية وذكرياتها المرتبطة بذاكرة شعبها بأسلوب ممتع تروي فيه قصة فتاة تعيش في الجزائر تخرجت من الثانوية وتتابع دراستها وتتجول في الشوارع فرحة بما ترى ولكن هذا الفرح كان قبل عام من انفجار كبير هز البلاد.
يرى الأدباء والنقاد المتابعون لكتابات جبار أن نصوصها لا تخلو من الطابع الإنساني المتوفر في مختلف الأشكال الأدبية التي كتبت فيها من مقالات صحفية ورواية ومسرح وأفلام وثائقية. وقال عنها اسماعيل مهنانة أستاذ الفلسفة بجامعة قسنطينة والباحث في الأدب الجزائري باللغة الفرنسية: تمثل آسيا جبار للثقافة الجزائرية ما تمثله جميلة بوحيرد للثورة التحريرية فهي رمز عال في سماء التاريخ وأيقونة المرأة الجزائرية في نضالها الطويل من أجل الانعتاق والحرية والحضور في أبعاده العالمية والإنسانية. ويطلق عليها الحقوقيون والكتّاب الصوت الناطق باسم المرأة الضعيفة الخاضعة للقيود والمتمردة الناعمة التي تحقق أهدافها عبر الكلمات التي تحملها صفحات رواياتها.
آسيا جبار أول كاتبة عربية تفوز عام 2002 بجائزة السلام التي تمنحها جمعية الناشرين وأصحاب المكتبات الألمانية وكثير من الجوائز الدولية في ايطاليا والولايات المتحدة وبلجيكا وهي أول امرأة عربية تدخل أكاديمية الأدب الفرنسي الراقية 2005 وترشح لجائزة نوبل للسلام ولجائزة نوبل للآداب عام 2009.
عائدة أسعد