اقتصاد

امتلاك السيارة.. بين المصلحة الشخصية والمصلحة الوطنية

لم يكن طموح امتلاك السيارة الخاصة معهوداً قبل عقود لدى معظم السوريين، إلا لدى شريحة من كبار الملاكين ورجال الأعمال وذوي الدخل العالي، ولكن العقد الأخير شهد تدافع عشرات آلاف المواطنين من ذوي الدخل المتوسط والمحدود لامتلاك السيارة الخاصة.
ما ساعد في هذا ترافقه بتسهيلات شرائها عبر قروض مغرية ولو كانت مخزية، وانخفاض سعرها بالتوازي مع تحسُّن دخول الشريحة المتوسطة الدخل، وتوفر الوقود بالسعر المدعوم، وانخفاض الضريبة السنوية قياساً بضريبة السيارة العامة، وغاب عن كثيرين ممن امتلكوا سيارة خاصة أو مازالوا يطمحون ويسعون لذلك، أنهم سيجدون أمامهم تبعات -فوق طاقتهم- تكمن لهم، إذ سيتبيّن لهم أن كلفة السيارة المزعجة أعلى من خدماتها المريحة، وسيمتعضون كثيراً مما قد يترتب عليهم من واجبات ومسؤوليات، ما قد يجعلهم يقتنعون لاحقاً أن الاستغناء عن خدماتها أسهل بكثير من تأمين نفقاتها، وبعضهم توصَّل إلى ذلك مبكراً، فكثيرون بيعت سياراتهم بالمزاد العلني نتيجة تقصيرهم عن سداد أقساطها، وبعضهم باعها اختياراً وبخسارة، لثبوت عدم مقدرته على تخديمها، قائلاً لنفسه: إذا كانت حالي معها الآن كذلك؟، فكيف سيكون عندما تُعمِّر وتكثُر أعطالُها، وإثر تزايد أسعار الحاجيات اليومية الأساسية والأهم، وتزايد احتمال التعرض لحادث أو أكثر نتيجة ازدياد كثافة السير على الطرق.
وأيضاً يظهر واقع الحال أن أسعار المحروقات ارتفعت كثيراً، وكذلك قِطع الغيار وأجور تركيبها وما قد يترتب من نفقات أخرى يبدو أن بعضاً منها قادم في المنظور القريب، وقد لا يتأخر ولا يكون سهلاً، فالتّجار وأصحاب العديد من المنشآت الذين يوقفون سياراتهم أمام محلاتهم عدة ساعات من النهار، وغالباً على جانبي الشارع وكذا حال أصحاب الشقق السكنية، جعل إمكانية الوقوف متاحة لمن يسبق، وجعل الكثير من الشوارع تغصّ بالسيارات الواقفة ليلاً نهاراً، ما تسبّب في ضيق العديد من الشوارع، وحصر السير باتجاه واحد فقط، وأثَّر على حركة المشاة.
واقع جديد قد يدفع الكثير من البلديات لأن تعمد –على غرار ما فعلته بلديات أخرى من قبل- لفرض رسوم على وقوف السيارات في العديد من الشوارع، وتحقيق دخل تحتاجه هذه البلديات، خاصة وأنه من المعهود أنه ليس من حق التاجر ولا من حق أصحاب الشقق أن يشغلوا الرصيف، وكثيراً ما سبق أن تمّ تحميل الشاغلين رسوماً أو غرامات جراء ذلك في أكثر من زمان ومكان، ما يجعل أنه من غير حقهم أن يشغلوا الشارع، وعلى الأغلب سيتم تنظيم هذا الإشغال، وخاصة في حال زاد عدد المحلات وعدد الشقق السكنية (ممن يملك أصحابها سيارات) عن سعة الطريق، وسيستوجب هذا الإشغال فرض رسوم وغرامات بحق الشاغلين، وفق ماهو معمول به من تشريعات بهذا الشأن، وما قد يصدر به تشريع مجدداً، فإذا كان إشغال الرصيف ممنوعاً ويتطلب دفع رسوم عند الإشغال الضروري، فعلى الأغلب لن يكون مسموحاً إشغال الشارع دون دفع رسم مقابل ذلك، ولاحقاً ربما قد يتم رفع الضريبة على السيارة الخاصة وخفضها عن السيارة العامة من منطلق أن الأخيرة مشروع اقتصادي ذو خدمة عامة وتستحق المزيد من الدعم والتسهيلات.
أيضاً سيترتب على كثافة السيارات الحاجة لمزيد من الطرق وتوسيع العديد القائم منها، وتكثيف الصيانة اللازمة لهذه الطرق، وأيضاً سينجم عن ذلك المزيد من تلوث البيئة العامة وسيترتب على ذلك منعكسات خطيرة شتى، تؤثر بشكل كبير على الصحة الإنسانية والحيوانية والنباتية، ما يتسبّب في تحميل العديد من الوزارات للمزيد من النفقات لدرء أخطار هذه المنعكسات أو لمعالجتها، ما قد يدفع العديد من الجهات المعنية لفرض بعض الرسوم والضرائب والغرامات على السيارات -تبعاً لمواصفاتها-، بغية تغطية بعض النفقات الناجمة عن حركة هذه السيارات، أي المزيد من تزايد الإنفاق على السيارة الخاصة سيؤدي لأن يبيع البعض سياراتهم، ويخفّف إقبال البعض الآخر على امتلاك السيارة الخاصة، اختياراً وقناعة بأن المصلحة الوطنية فوق المصلحة الشخصية.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية