ثقافة

الفنان عبد الرحمن مهنا في ندوة الأربعاء التشكيلية … أنا أرسم اللحظة الآنية.. و”الموتيف” لا يقل أهمية عن اللوحة التشكيلية

استضافت ندوة “الأربعاء التشكيلية” الفنان عبد الرحمن مهنا الذي تحدث عن تجربته التي قاربت الأربعين عاماً، فهو من مواليد حلب 1950 درس الفنون في مركز الفنون الجميلة بحلب، ومن ثم تابع دراسته في قسم الإعلان في كلية الفنون الجميلة بدمشق، وأول معرض له في دمشق كان سنة 1974 في المركز الثقافي العربي “أبو رمانة”. عمل في رسم “الموتيفات” للعديد من الصحف السورية: تشرين– البعث- ملحق الثورة الثقافي– منشورات اتحاد الكتاب العرب ودورياته. وللفنان العديد من المعارض الفردية والمشاركات الجماعية، فهو من الأسماء الحاضرة في المشهد التشكيلي السوري، رسم الطبيعة والمدينة والإنسان والحارات الدمشقية بطريقته الخاصة المعتمدة على ملونات جلها بالأزرق والأخضر، يتميز بخط واضح في العمل التشكيلي وقد يتهمه البعض بأن أسلوبه في اللوحة هو نفس الموتيف الذي يرسم، بحيث تقع هذه التجربة ضمن مفهوم الفن الشكلاني وهو الفن المجبر على خدمة الفكرة. وقد وجه له الناقد الراحل خليل صفية صفة غياب الهوية في الأسلوب! وقال له الفنان لؤي كيالي إنك فنان حقيقي!؟
أمضى الفنان سنوات طويلة في جريدة تشرين رساماً للموتيف وعن هذه المرحلة قال: كنت أرسم مع الفنان محمود شاهين حين كان مخرجاً في الجريدة آنذاك، فقد كنت أقرأ النص المراد الذي ينبغي أن يترافق مع موتيف، فأتمثل النص وروحيته وشخصية الكاتب بالتواصل مع ما قرأته، لذلك كانت “الموتيفات” متنوعة وعفوية وقد أتفاجأ بعد الانتهاء من الرسم بالحشد الغرافيكي الذي أوجدته في النص البصري المرافق للمادة، ولا أخفي أن هذه النصوص تمثل في العمق شخصيتي أنا. وحقيقة الفن هي أن يضع الفنان ذاته على سطح اللوحة البيضاء “دفعة واحدة”. ويعتبر الفنان مهنا أن “الموتيف” واللوحة قيمة فنية واحدة، وما اللوحة إلا  “موتيفة” يضيف الفنان الألوان عليها لتصبح لوحة، وحول ذائقة المتلقي وسوية الثقافة التشكيلية عند الجمهور يعتبر الفنان مهنا أنه “من الواجب على المتلقي امتلاك أوليات التذوق الفني وحيازة الثقافة الفنية المطلوبة لتداول الفن التشكيلي، فلا يمكن أن نطلب من الفنان الذهاب إلى الناس، بل عليهم الارتقاء إلى مستوى ماينتج”! وقد جاء القول رداً على سؤال وجهه أحد الضيوف جاء فيه: هل لامسنا أحاسيس الناس من خلال ما ننتجه من فن، وهل استطعنا الوصول بلوحاتنا إلى الناس البسطاء؟
وقد أغنيت الندوة بمداخلات قيمة من الفنانين تركزت حول تجربة الفنان عبد الرحمن مهنا في فن الموتيف باعتباره من أهم الأسماء الفنية التي قضت جل حياتها الإبداعية منتجة لهذا الفن بشكل أساسي، وتمتد هذه الخاصية إلى عطائها الفني في اللوحة عموماً، ومن المداخلات ما اعتبر أن الموتيف عند مهنا متقدم كثيراً عن النص المرافق فكان من سوية أرفع من كثير من النصوص الشعرية الساذجة التي كانت تحتفي بها بعض الصحف. وفي مداخلة للفنان عبد الحميد فياض حول فن الموتيف ومنتجيه، أوضح أن بعض الفنانين هم بالأساس موظفون في الجريدة وبالتالي ما قدموه من رسومات مرافقة للنصوص جاءت بحكم الوظيفة، وبالتالي عددهم القليل قياساً بأعداد الفنانين المنتجين في الساحة التشكيلية هو ما أعطاهم الشهرة كفنانين، وباستطاعة أي فنان أن يرسم الموتيف وطالب بالفصل في القيمة بين الموتيف واللوحة واعتبار اللوحة في المرتبة الأعلى والأهم إبداعياً ، وما الموتيف إلا أمر مختلف عن عالم اللوحة، ومن الخلط أن نربط بين الموتيف واللوحة بوشاج واحد وأسلوب مشابه، وبالتالي يقع الفنان في مطب المحدودية في العمل الفني. وأضاف الفنان أنور رحبي في شهادة على ما يتمتع به منتج الفنان مهنا في الموتيف من قوة أن بعض الأدباء تمنى لو لم يترافق نصهم المنشور في الجريدة مع موتيف مهنا، لأن الموتيف جاء أعلى صوتاً وأكثر غزارة من القصيدة، ويعتبر الفنان الرحبي أن رسام الموتيف هو شريك الكاتب والشاعر أمام القارئ، وأضاف أن كل رسام يمكن أن يكون رسام موتيف، لكن اللوحة صنيعة أخرى مختلفة عن الموتيف بملونات الفنان وهي ثقافته وإمكاناته التقنية وخبرته في ترسيم الخط باعتبار الخط هو لون أيضاً! وتساءل عن الجريدة التي تستقبل رسام الموتيف الآن وتكلف بعض الفنانين بعمل موتيفات لنصوصها الأدبية، بينما كنا نشهد فيما مضى حالة متطورة وصحية في معظم مطبوعاتنا الأدبية “مجلة المعرفة- ملحق الثورة الثقافي– وجريدة الأسبوع الأدبي.. وغيرها” وقد رسم إلياس زيات وأسعد عرابي وفائق دحدوح.. وآخرون في هذه المطبوعات.
الفن بين مفهومين
أما د. إحسان العر رئيس قسم النحت في كلية الفنون الجميلة فقد ميز بين مفهومي الفن للفن وفن التكليف الذي ينطبق على الموتيف، معتبراً أن تحديد الأفق للعمل الفني بالفكرة المطلوبة من الفنان هو ما يحد من حرية الفنان، وبالتالي من طلاقة العمل الفني نحو المغامرة الأوسع، أما فن التكليف والموتيف فهو نموذج محدد المضمون ويقع في دائرة الفن الوظيفي.

خاتمة في سوق الحرامية
وقد أجاب الفنان عبد الرحمن مهنا عن أسئلة المشاركين في الندوة بسعة حلم الفنان المحببة ما جعل من حوار الفنانين حوار أصدقاء، مختتماً بطرفة حصلت أثناء تجواله في أحد أسواق المدينة “سوق الحرامية” حيث وجد إحدى لوحاته الصغيرة موضوعة على بسطة أحد الباعة! وحين سأل عن قيمتها أجابه بعشر ليرات فقط، ولم يتردد الفنان مهنا حينها بالدفع واستعادة اللوحة ومعها بعضاً من الذاكرة.
يشار إلى أن ندوة الأربعاء التشكيلي هي ملتقى حواري مصغر يعقد كل يوم أربعاء في صالة الرواق العربي بدمشق، يرعاه اتحاد الفنانين التشكيليين بغية تنشيط الحوار التشكيلي بين الفنانين، لجعل لقاءاتهم فرصة مثمرة وحافزة فيما بينهم من خلال الاطلاع على مشاريع بعضهم وتداول الرأي فيما بينهم بخصوص تجارب زملائهم والتواصل المثمر باتجاه التجربة الخاصة لكل فنان، في مسعى نحو توثيق يوميات سورية تنتصر وتجعل حياة الفنان اليومية غزيرة وناقدة ومحاورة كما في المرسم.
أكسم طلاع