ثقافة

جوازات شعرية لا تخلو من الجدل

الشعر ديوان العرب، وسلطان الفنون، كان سيد المكان في جلسة هذا الأربعاء في مقرّ اتحاد الكتّاب العرب والصحفيين الفلسطينيين، إذ شارك عدة شعراء بإلقاء قصائد منوعة بين الشعر العمودي والنبطي، وأثيرت سجالات طويلة حول مسائل شعرية تتعلق باستعارات من القرآن الكريم وبحور الشعر النبطي، وتعدد القوافي في القصيدة، والتزام الشاعر بقواعد اللغة العربية داخل هيكل القصيدة، وعرض جوازات شعرية تتعلق بالتسكين، وصولاً إلى إشكالية القصيدة النثرية، وبقيت هذه المسائل عالقة بين الرفض والقبول فبعض الحاضرين يرى أن الشعر هو السلاح الأقوى للغة العربية والمرآة لقواعدها ،في حين تصرّ الأكثرية على أن التمعن بجماليات الشعر والمعاني الخفية بين تفعيلاته هو الأجمل والأقرب إلى المتلقي، لتبقى هذه الجلسات الحوارية النقدية واحة فكرية في صحراء حياتنا كما وصفها الأديب يحيى محيي الدين ،وقد أثرى حضور السفير د.غازي حسين –سفير فلسطين في النمسا- الجلسة بحديثه عن الخطر الحقيقي الذي يتعرض له المسجد الأقصى بتهويده وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه متسائلاً عن صمت بعض العرب مثل آل سعود والملك الهاشمي إزاء ما يحدث، مبيّناً أن كل الكتّاب يؤمنون بأن الصراع العربي مع العدو الإسرائيلي صراع وجود وليس نزاعاً على الحدود، مستمرين بالصراع حتى زوال الكيان الإسرائيلي الذي يعدّ غدة سرطانية في جسد الأمة العربية.
بدأ الشاعر علي حسين بقصيدة “القدس مهد الأنبياء” متغنياً بمكانتها الدينية والحضارية والتاريخية وقد أهدى قصيدته إلى الشاعر محمود حامد، التزم فيها نمط الشعر العمودي وتميزت بجمالية الصور وعمق المضمون الإنساني:
هي الحضارة والتاريخ نذكرها     فيها النبوة هبت من نواحيها
هي السلام فعين الله تحرسها     وللعـــروبــــة صـــرح قـــائم فيها

تساؤلات وجودية
وتابع الشاعر محمود حمود قراءة قصائد صغيرة اعتمدت على التساؤلات الوجودية والفلسفية وعلى الأسلوب الاستفهامي الذي كثُر في القرآن الكريم ودواوين العرب كونه جزءاً من الأسلوب الإنشائي ،وتميز بتتالي الصور واقتباسه في بعض المواضع:
وقالوا عن الأصحاب ماذا تفيدنا     فقلت لهم (إن الكرام قليل)
وماذا عن الدنيا نقول أجبتهم:     هي امرأة فيها الرجال خيول
ولاقت هذه الصورة إعجاب الحاضرين، وتميّز بإتقانه قواعد اللغة والتزامه بالقافية والبحر، لكن الصورة الأجمل كانت في قصيدته نسغ الهوى التي ناقش فيها فلسفة الحب الذي يرافق الإنسان في مختلف مراحل العمر(العود ليس مشدوداً إلى وتر) رامياً إلى النظرة التفاؤلية بالحياة والحفاظ على الأشياء الجميلة التي في دواخلنا.

توصيف البيئة
أما الشاعرة مليكة محمد فأفردت مساحة خاصة في قراءاتها لقصيدة تتغنى بجماليات اللغة العربية التي وصفتها بالحدائق الغناء، وعادت فيها إلى تراثنا الشعري ذاكرةً أعلام الشعر العربي مثل الشاعر امرئ القيس ،لكن إبداع الشاعرة يتجلى في فنّ الإلقاء الذي تجيده وبالشعر النبطي إذ تمكنت من توصيف البيئة وإظهار مكوناتها فقرأت جملة قصائد منها (الحب هو الكون– الهوى بلية ياصاحبي–أسميك).
“يا خفيف الظل وين تروح/أنا أروح وياك” واصفة فيها حالة المرأة العاشقة التي تتغزل بمحبوبها وتصرّ على التمسك به.

ثنائية اللقاء والفراق
وختاماً ألقى الشاعر المحامي سمير بدرة قصائد تنتمي إلى فنية الشعر القصصي وهي حواريات لثنائية شعرية تسرد حكايات إنسانية ،تتعلق بإشكالية العلاقة بين المرأة والرجل المتراوحة بين لقاء وفراق مستخدماً البحر الطويل في بعضها والبحر البسيط في أخرى وفيها بوح للآخر بمكنونات الذات وبتصوير مشاعر المرأة المشحونة بالحب والاحتواء من خلال عدة قصائد مثل الغاضبة –العاشقة –لن أعاتب –لميس
ومنها: “ماذا أقول وبعض الوقت يسعدني/ماذا أقول لطرف بات يسحرني”
وأثارت قصيدته الصفعة جدلاً بين الحاضرين لإيغاله في إظهار عنف المرأة غير المألوف في روح الشعر وغير المقبول في الواقع:
“مست أناملها خدي لتصفعه     فباركت خدي المصفوع أختاه
أسائل جودها صفعاً كمكرمة         غوثاً ومناً وإلا حسبي الله

الجماليات والقواعد
وعلى هامش الجلسة دخل الحاضرون في سجالات طويلة حول الالتزام بقواعد اللغة العربية داخل بيت الشعر، وعدم جواز العبث بالقواعد والتشكيل واللفظ الصحيح، والبعد عن الحركات الإعرابية بذريعة جواز التسكين المسموح به فقط في آخر بيت وفي القافية والروي، وليس في الحشو ،كما دار النقاش حول ضرورة الالتزام ببحور الشعر النبطي المستمدة من بحور الشعر العربي والأشبه بهجين لغوي، ولايمكن أن تبنى قصيدة إلا على وزن وإلا أصبحت نوعاً من القصيدة النثرية التي برع بها محمد الماغوط ورياض الصالح حسين ،وبقي رأي الأغلبية بأن الاهتمام بالوجدانيات العامة للقصيدة وجمالياتها هي الأقرب وخلص القول من قبل رئيس الجلسة أحمد جميل الحسن إلى أننا نرتقي بالآخر بالإصغاء إلى النقد وتقبله.
ملده شويكاني