ثقافة

“ضبّو الشناتي”.. الكوميديا السوداء بكل تجلياتها

لا شك أن مسلسل “ضبو الشناتي” للكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو قد حقق جلّ ما يصبو إليه صنّاع عمل درامي من تميز ونجاح، ولعل الأهم هو المكان الذي تركه في نفوس الجمهور وحالة الانجذاب والإعجاب، ولعل ذلك مردّه بالدرجة الأولى إلى حالة الالتصاق بالواقع، ومحاكاة حالة المواطن البسيط في كل تفصيل من تفاصيل العمل في كوميديا تنتزع الضحكة الممزوجة بالألم.
وفي ظل ندرة الأعمال الكوميدية الجيدة أتى “ضبو الشناتي” كالبلسم الآتي من عمق الواقع، فحوارات شخوصه وحقيقتهم جعلته يدخل بسهولة إلى قلب وعقل المشاهد بسهولة وسلاسة، وهو ما اتسمت به أعمال حجو وحمادة بشكل عام.
إدارة الليث حجو للعمل كانت كالعادة مميزة التركيز على التفاصيل الصغيرة التي تروي الألم ببساطة لترسم بسمة ممزوجة بالترقب، ولتكون الكوميديا السوداء بكل تجلياتها وتفاصيلها حاضرة في المسلسل الذي حقق نقلة نوعية في أحداثه بعد الحلقة العاشرة تقريباً، حيث أن ما يؤخذ على العمل هو الإطالة في التحضير للحدث ومسارات الشخوص في الحلقات العشر الأولى، رغم جاذبيتها إلا أن التحول بدا كبيراً بعد ذلك فأخذ العمل منحى تصاعدياً واقترب في كل حوار من حواراته من الحالة المجتمعية، والمعاناة وتفكير كل مواطن بسيط.
العمل امتلك كل مواصفات النجاح رغم بعض التعليقات على تشابه شخصية النجم السوري بسام كوسا مع ما قدمه في السابق في “قانون ولكن” و”الفصول الأربعة” شكلاً وحركةً، إلا أن ذلك لا ينفي تميز كوسا، ولكن نقول ذلك لأن المنتظر من كوسا دائماً هو مفاجآت من العيار الثقيل، ونفس الأمر يمكن أن نقول إن الشخصيتين اللتين أداهما الفنانان أيمن عبد السلام ولوريس قزق كان يمكن العمل عليهما بشكل أفضل، فعلى الرغم من أدائهما الجيد إلا أنهما لم يكونا مضيئين في العمل، ولم يحققا حالة الألق في عمل يحمل في كل عناصره أدوات التألق وتحقيق النقلة النوعية في الحضور.
أما النص فما يحسب لحمادة هو ابتعاده كلياً عما قدمه سابقاً في “ضيعة ضايعة” و”الخربة” فالكوميديا في “ضبو الشناتي” مختلفة كلياً ولها خصوصية كبيرة، ولعل هذا بحد ذاته كان رهاناً كبيراً جداً استطاع النجاح فيه، فالكوميديا السوداء هي من أصعب أنواع الدراما بشكل عام و الكوميديا بشكل خاص، لأنها إن لم تكن مبنية بطريقة صحيحة وبأحداث تزرع البسمة النابعة من قلب الألم، فإنها ستسقط بكل تأكيد وهو ما لم يحدث في “ضبو الشناتي” فكانت نقطة قوته هو التصاقه بالواقع وقربه منه.
أما الليث حجو كمخرج فكعادته كان قريباً من التفاصيل التي تصنع الفرق، فقرأ ما بين سطور النص واستطاع أن يستخلص قدرات إضافية لممثلين آخرين شاركوا في العمل فظهروا بإمكانيات وأدوات مختلفة ومنهم أمل عرفة وندين تحسين بيك ورنا شميس وأحمد الأحمد وفادي صبيح وأيمن رضا وفايز قزق ومحمد خير الجراح، وهذا ترافق مع ترك مساحة للممثلين لإبراز تحولات الشخصيات كما يشاؤون، وما رافق ذلك من حالات نفسية وحسية نابعة من المواقف التي يعيشونها، فكانت النتائج جيدة جداً، واستطاع العمل أن ينال رضا وثقة الجمهور، وأن يكون نقطة مضيئة في الموسم الماضي بشكل عام، وفي الكوميديا بشكل خاص، وخصوصاً في ظل التحول إلى الاستهتار والإسفاف والتهريج وما شاهدناه من أعمال مثل “سن الغزال، بحلم ولا بعلم، رجال الحارة” أكبر دليل على ذلك.
خلدون عليا