ثقافة

عمر حجو ..خلود الأثر

تمام علي بركات
مات عمر حجو أغلق عينيه بعد أن فتحهما طويلا ليصنع الفرح ويقدم البهجة، خلال مسيرة فنية عريقة، تعرفت فيها أجيال من الجماهير السورية والعربية على “حجو”، الفنان الذي كان تلك النكهة المميزة والفريدة التي تعطي العمل المسرحي أو التلفزيوني الذي يقوم بتأدية أحد أدواره، نفحة أليفة تمزج بين الكوميديا بشكلها الراقي وبين الحس التراجيدي العالي الذي يتجلى وببراعة عند تأديته لمشهد تراجيدي يضطره إلى تغيير أدواته من ممثل يتوقع الجمهور منه أن يضحكه في أي لحظة كما في العديد من الأعمال المسرحية التي قدمها “حجو” في مسرح “الشوك” كغربة وضيعة تشرين وغيرها، إلى رجل بائس قادر بقسماته الخفيضة وصوته ذو الرتم الهادئ على تجييش العواطف ونزع الاعتراف ببراعة أدائه وصدقيته، من الدموع التي تتهادى في العيون الشاخصة لوجعه وهو ينتظر خبرا عن ابنا غائبا في غياهب الحرب، كما شاهدناه في “سنعود بعد قليل”.
الدراما السورية التي بدأت في السنوات الأخيرة تودع العديد من مؤسسيها الكبار وصانعي مجدها كالراحل خالد تاجا وياسين بقوش وسليم كلاس وعصام عبه جي ومحمد الشيخ نجيب والكبير ناجي جبر وآخرون، تسدل اليوم الستار على واحد من العروض الطويلة والعظيمة التي وقف بنواتها هذا الفنان القادم من حواري حلب “مطارح اللعب والهوى” وخشبات مسارحها ليساهم في تأسيس الأرضية الصلبة التي وقفت عليها بثبات أجيال من الفنانين الذين تخرجوا من مدرسة حجو ورفاقه الفنية وليس الفكرية للأسف، وهنا تماما يكمن الاختلاف بين جيل الراحل “حجو” بما قدمه هذا الجيل من تضحيات كبار في الوقت والعمر والجهد والبذل الصادق على حساب الأسرة والصحة، وعلى حساب أي مجال آخر قد يحرف بوصلتهم الفكرية التي كان الفن الذي قدموه وعاؤها الواقعي وحاملها الأكثر أمانة في تأدية الرسالة التي تشربها جيل الراحل، باعتبارهم الفن هو من الناس وإلى الناس، الفن لحكاية همومهم ونقل مآسيهم وإيصال صوتهم، بعد أن تنازل الإعلام المكتوب عن دوره في هذا الشأن، وبين جيل نراه اليوم وهو يقدم العديد من الأعمال التي لا تحمل لا فكرا ولا مضمونا بقدر ما يقدم نماذج جاهزة من الفنان الموديل أو الفنانة الماركة.
بالتأكيد سيترك غياب “عمر حجو” فراغا كبيرا على الساحة الدرامية السورية، ولن يكون التعويض سهلا أبدا، خصوصا بعد أن أصبح الفن عموما هو فن العلاقات الخاصة والمواهب المخجلة في بعض الأحيان، والتي لا يكاد اسمها يلمع قليلا حتى إما تنطفئ أو تصبح في وارد آخر بعيدا كل البعد عن الفن ورسالته، شاهدنا مثلا فنانين تحولوا بين ليلة وضحاها من ممثلين وفنانين لهم سمعتهم الطيبة لدى الناس إلى محللين سياسيين، تنازلوا أول ما تنازلوا عن كرامة أوطانهم وثقة الناس بهم. وهناك من اختار أن يلوذ بالصمت بانتظار النتيجة، وهذا ما لم يفعله يوما “حجو” وجيله من الفنانين الذين شيدوا فنا سوريا عريقا بالدموع كما الفرح، بالسخط كما الرضا، لكنهم بقوا مدركين تماما أن قيمة الفن الحقيقية هي بوجوده بين الناس لا بترفعهم عنهم.
كانت إشاعة طافت منذ مدة قريبة مفادها أن “عمر حجو” قد قال سلاما ومضى، ولكن تلك الإشاعة في الحقيقة لم تكن إلا تمهيدا قدريا لحزن سيحل قريبا بين كل من عرف هذا الرجل سواء في حياته الشخصية أو الفنية، وفي الحالين ليس من فرق كبير بين الحياتين اللتان عاشهما هذا الفنان الفذ، باعتبار أن الفن الذي قدمه في مسيرته المشرقة كان امتداداً للواقع، وأحيانا جسرا من الماضي إليه.