ثقافة

«عصام يوسف» شاعر سوري يتنفس الشعر.. مقيماً في بيوت قصائده

لم يكن تفوق شعراء الزجل السوريين في برامج الزجل التي تعرض على الشاشات الفضائية اللبنانية صدفة، بل هو نتيجة طبيعية للخزان الشعري الكبير الموجود في ريفنا، وقرانا الجبلية، والذي ترعرع، ونما عبر تاريخنا الطويل، الضاربة جذوره في عمق حضارة الشرق، ومن أبرز أولئك الشعراء الشاعر السوري عصام يوسف، ابن بلدة مشتى الحلو الجميلة بطبيعتها، وشعبها الذي اختار اللغة المحكية لشعره، فجاء نظيفاً كماء نبع مار الياس في بلدته، قوياً كدلبة ساحة المشتى الشهيرة.
ظهر عصام يوسف كشاعر لا يقهر في مبارياته الزجلية، فكان صاحب حجة بعفوية منقطعة النظير، وكان صلباً حيناً، وليناً حيناً آخر، لكنه كان دائماً الشاعر الذي لا يجارى بغرابة صوره، وفسحة خياله الواسع، والمفتوح على المدى.
لم يكن مفاجئاً على متابعي الزجل أن يتفوق عصام على أترابه، ليصبح قطباً جدياً في دنيا الزجل، وحلباته الفكرية الجميلة، ولكن لم يكن ظهوره القوي بهذا الشكل في صالحه بالمطلق، إذ كثيراً ما يخشى أصدقاؤه، من شعراء المنبر في سورية ولبنان، منازلته، وقد كان لذلك سبب في قلة إطلالاته لقلة عناية إعلامنا المحلي الذي طالما مجّد شعراء لبنان مثل طلال حيدر، جوزيف حرب، وآخرين،  ناسياً ولو إتاحة الفرصة لشعراء سورية الكبار المجيدين، والمجددين.
عصام يوسف، شاعر مثقف، سخي القريحة، بهي الشعر، عميق المعنى، نقل لوثة الشعر الحقيقي لشعر الزجل، فأبدع، وأطرب، وأغنى، وأسعد عشاق الكلمة، والجمال، وكان الشاعر «سعيد عقل» قد أشاد بشعر عصام يوسف، ووصفه بالشاعر النهر.
صدر للشاعر عصام يوسف ديوانان طبعا ونشرا في لبنان: «تراب ما بيشبه حدا»، و«ندى عازهر البال»، ونالا نجاحاً كبيراً، واستحساناً في الأوساط الثقافية، والأدبية في بيروت، ويعتبر شعره المحكي، برأي العديد من النقاد، والقراء، علامة فارقة في تاريخ الشعر السوري، وزجله، كما أنه يعطي دفعاً جديداً لشعر المنبر الذي كاد أن يسقط في غيبوبة المباشرة، والتكرار.
يقول يوسف في قصيدة «لوحا» من مجموعته الشعرية «تراب ما بيشبه حدا»:
لو كان ما في لَون
شو بيعمل الرسّام؟!
بيرجع بيخلق كون
وبيخترع ورد وسما وقلام
قبل ما تخلص سَبع تِيّام.
تذهب قصيدة الشاعر يوسف نحو إعلاء قيم الحق، والخير، والجمال، إن كان بالصور التي تأتي مفاجئة، ومدهشة بتعبيرها، وإيحائها، أو بالموضوعات الفارقة التي ينتقيها لينيرها من جانب جمالي أخاذ، فهو عندما ينتقي الغزل ليكون حاملاً لمشاعره، يذهب به نحو مصاف شعرية جديدة تماماً، إن كان في اختياره لعناوين غزله البسيطة، والأنيقة، أو في تعبيره عنها بغنائية شفافة، ورقيقة، كما لو أنها جدول ينساب، أو أغنية مرت بخاطر عاشق بعيد، كما في قصيدته «جرح مقطب»:
من وين فستانك خصر بيجيب!
متل ال كأنو شي خرم ابري
وخصرك رفيع وبالنظر مِبري
وحتّى الجرح من جوع عيني يطيب
صار خصرك خيط للتقطيب.
ظهر الشاعر «عصام يوسف» في العديد من البرامج التلفزيونية التي تعنى بشعر الزجل، كبرنامج «أوف» الذي تعرضه قناة OTV اللبنانية، وكانت لحضوره، كشاعر منبر، متمكّن من أدواته الشعرية التي يدخل فيها أيضاً الإلقاء البليغ، كجزء هام، وضروري من الشعر المحكي، ميزة مختلفة عن السائد من طبيعة البرنامج، بعد أن ألهب «يوسف» بشعره، وإلقائه أكف، وقلوب الجمهور، والمتفرجين، ليُطلب إليه من أكثر من دار نشر العمل على جمع قصائده في مجموعات شعرية، ليعمل على نشرها، وهذا ما حدث ليوقع الشاعر «عصام يوسف» ديوانه: «ندى عازهر البال» في قصر الاونيسكو في مدينة بيروت اللبنانية، وبحضور العديد من القامات الثقافية، والفكرية، والشعرية في كل من سورية، ولبنان.
غنت له المغنية «سالي غنوم»  قصيدة «الولدني»، وهي من القصائد العبقرية بحق في طرحها لحال الطفولة الحزينة التي يمر بها أطفال سورية.. يقول عصام في «الولدني»: «ليش الولاد بيلعبوا ما بيتعبوا؟ بيعربشوا بضو القمر، بيزوزقوا سهل وصور، بيخزقوا تياب السهر، ياريت بس الولاد بيلعبوا، يا ريت بس الولاد بيكزبوا، لو كنت بعرف في بحر بيردني للولدني.. تا اشربوا!!.
تكمن الميزة الأهم لنتاج عصام يوسف الشعري بالصدق الذي تعكسه قصائده، إن كان على المستوى الشخصي، أو على المستوى الشعري، وفي الحقيقة أن النتاج الإبداعي هو ما يعطي فكرة واضحة عن الصفات الشخصية للمبدع، وما تقوله قصائد عصام بأنه شاعر صادق، فمن المستحيل أن يكون كل هذا الصدق الموجود في شعره إلا انعكاساً حقيقياً لجوانياته النفسية، والشعرية.
يعتب الشاعر عصام يوسف بمحبة على إعلامنا، ويرى أنه قصّر في تعريف السوريين على شعراء المحكية، لكنه يدرك أن الظرف القاسي الذي تمر به البلاد ساهم بشكل كبير في هذا الشأن.
عصام يوسف.. مرحبا بك شاعراً سورياً، منابرنا تحتفي بك، وبشعرك السوري الوطني الأصيل، وتأكد أن سورية تحبك كما تحبها.
قال عصام يوسف مندداً بالتدخل السافر لتركيا العثمانية في وطنه بحجة قبر «سليمان شاه»:
سليمان شاه
كل مين بزمانو نسي ايدو
عَ مسكة باب
كل مين وقّع اصبعو
عَ سجرة العنّاب
بيصير بيقلّك لِنا بالشام
في أحباب
وهون في النا قصيدي
وهون النا كتاب
وبحجّة اللي مات واللي عاش
واللي غاب
كل مين عم ياخد قبر جدّو
مع الغيّاب.
من كتر ما عم ينبشوا
تراب الوطن
ما ضل في للطيبين
تراب!.
تمّام علي بركات