ثقافة

“رواد السينما الجديدة” وحوارات شيقة مع حائكي فرجتها

جهد شخصي مميز امتد على خمس سنوات من العمل الشاق في فن الترجمة،أولاها الكاتب والمترجم “سعيد محمود” للكتاب التوثيقي السينمائي “رواد السينما الجديدة”الصادر عن وزارة الثقافة المؤسسة العامة للسينما. وإذ أقول توثيقي فذلك لطبيعة هذا الكتاب المبنية على ترجمة “سعيد” الانتقائية بمزاج شخصي للعديد من رواد السينما الجدد كما يخبرنا الكتاب من أمثال المخرج العالمي “جيمس كاميرون” والممثل الايطالي “روبيرت دي نيرو” والمخرجة اللبنانية “نادين لبكي” وغيرهم من حملة لواء التجديد السينمائي بمختلف مناحيه التقنية والفنية والفكرية، واضعا بين أيدي القراء عموما والمهتمين بشكل خاص بعوالم الفن السابع مجموعة من الحوارات الشيقة والممتعة والمفيدة بآن معا، لقاءات ثرية دارت رحى تحويلها من كلام منطوق إلى شواهد حية مدونة فوق صفحات كل من الجريدتين الفرنسيتين الشهيرتين “le monde- le Figaro”.
لقاءات متنوعة سوف يخب القارئ معها ومن خلالها في مفازات مفتوحة وشيقة كما أسلفت على الكثير من تفاصيل البوح بجوانيات وخبايا العديد من نجوم السينما العالميين، الذين أعطوا لمفهوم الفيلم السينمائي سواء كانوا خلف الكاميرا أم أمامها، أبعادا إبداعية مختلفة بقيمتها الفنية والفكرية والتقنية, عن المراحل التي سبقت انخراطهم بشكل حرفي في اندفاعاتهم الجسورة فعلا بدنيا السينما وتجلياتها الأكثر رسوخا وحضورا كفن له قيمته الذهبية الخالصة، بعد فن الرواية “هذا رأي شخصي قد يختلف معي حوله كثير من القراء الكرام كما سيتفق معي أيضا كثر منهم”.
رواد السينما الجديدة كما يقدمه كاتب الفيلم السينمائي البلجيكي “بورت رايت”هو محاولة لتقديم المتعة والفائدة للجمهور والمختصين، كما أنه حصيلة مشروع شخصي بدأ عام  2007 ليصبح بين أيدي القراء وأمام ناظرهم عام2012، وثيقة فنية وشخصية متنوعة، يضم محتواها الكثير من الرؤى والتفاصيل المدهشة والكواليس الخفية لمعظم أبطال هذه الحكاية المفتوحة.
يتضمن “رواد السينما الجديدة” ما يربو على أربعين لقاء مع العديد من الأسماء السينمائية العالمية تلك التي برزت من خلال أفلام سينمائية اعتبرت من انجح الأعمال السينمائية العالمية،وقد عمد المترجم إلى ترتيب اللقاءات والحوارات ضمن الكتاب بدءا من الأحدث زمنيا إلى الأقدم, حيث أن مواضيع بعض الحوارات تدور حول أفلام لا تزال تعرض في العديد من دور السينما في العالم ومنها مثلا الفيلم الشهير للمخرج جيمس كاميرون”التايتنك”بعد أن حوله كاميرون إلى تقنية الفيلم ثلاثي الأبعاد ،رغم أنه يفضل العمل بهذه التقنية بعمل سينمائي جديد، إلا أن الحميمية التي أضافتها تقنية الكاميرا ثلاثية الأبعاد على النسخة القديمة من “التايتنك”والنجاح الذي لاقاه الفيلم بحلته الجديدة، من الأسباب العديدة التي جعلت مخرجه راضيا عن النتيجة ،الأمر الذي وضحه بقوله: “تمكنت من تحويل فيلم التايتنك إلى فيلم ثلاثي الأبعاد لأن أسلوبي في الإخراج قريب من هذه التقنية، أنا أعطي عمقا للكادر وشخصياتي تتموضع ضمن ديكور واسع، لدرجة أن السفينة بحد ذاتها تحولت إلى شخصية مستقلة.العمق في الكادر أحد أهم ركائز تقنية ثلاثي الأبعاد”. شخصيا أعتقد أن السفينة التي تحولت إلى شخصية مستقلة في الفيلم المذكور، كانت من أكثر الشخصيات التي تعاطى معها المشاهد بعاطفة كبيرة, ولا أدري أن تقصّد”كاميرون” أن يظهرها بهذا المنطق الفني الذي يؤنسن الأشياء بالرغم من طبيعتها الآلية,أم أننا كمتفرجين تعاطفنا مع عظمة تلك الآلة وجمالها الغارق بلا رحمة.
أما اللقاءات الأقدم زمنيا فهي تدور عن الأفلام التي قدمها أبطال كتاب “رواد السينما الجديدة” في الخمس سنوات المنصرمة، ومنها فيلم”أسباب حكومية”الفيلم الذي أخرجه “روبيرت دينيرو” بعد تجربته الإخراجية الأولى في عام 1993، ويعتبر الممثل الحائز على جائزة الأوسكار مرتين أن اخراجه لفيلم “أسباب حكومية” بالإضافة لتأديته الدور الرئيس فيه, بأن نجاحه جاء بمثابة ثمرة مغامرة طويلة بدأت قبل عمله على الفيلم الآنف الذكر بتسع سنوات، لأسباب تتعلق بتأنيه في اختيار كادره الفني الذي أصر عليه من ممثلين وفنيين ومنهم مدير التصوير الشهير “روبرت ريتشاردسون” بالإضافة لانتظاره التمويل الذي يلبي احتياجات الفيلم.
من الحوارات المميزة في الكتاب الحوار الذي اجري مع الممثلة الفرنسية المخضرمة “كاترين دونوف”على هامش فعاليات مهرجان دمشق السينمائي “دونوف”التي شاركت في الفيلم اللبناني “بدي شوف” الذي يدور حول العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان، وتقول “كاترين”عن طبيعة مشاركتها في الفيلم: بأن ما رأته من دمار في جنوب لبنان بعيد العدوان الإسرائيلي لم تر في حياتها دمارا يشبهه، وكانت “دونوف” قد عبرت عن حبها لسورية في أكثر من مناسبة، حيث قالت في أحد حواراتها: “سورية بلدٌ رائع لم تعط أسرارها بشكل كامل، وتاريخها طويل وقديم، وحلمي أن آتي لسورية شهراً كاملاً كل سنة” وقالت بطلة فيلم “الأزمنة التي تتغير”عن رأيها بالسينما السورية ومهرجان دمشق السينمائي: “مهرجان دمشق يشكل مناسبة لرؤية سينما غير السينما الأميركية التي تحاول السيطرة على السوق السينمائية في العالم، وأشارت إلى أنّ مشكلة السينما في سورية تكمن في التوزيع قبل الإنتاج، ومع أنّ الأفلام السورية قليلة إلا إنها أفضل من تقليد الأفلام الأميركية والغرق في التقليد والخضوع للمؤثرات”.
أيضا من المحطات السينمائية الهامة التي يقدمها كتاب”رواد السينما الجديدة”حوار مع المخرجة اللبنانية “نادين لبكي”حول أعمالها السينمائية ومنها فيلم “وهلق لوين” الذي عرض للمرة الأولى في عام 2011 بمهرجان كان السينمائي ،ضمن نشاط “نظرة ما”ولاقى استحسانا وحضورا جماهيريا طيبا عربيا وعالميا.
سنطالع في الكتاب أيضاً العديد من التفاصيل المثيرة والمفاجآت التي يصرح بها أهم نجوم السينما في العالم، جورج كلوني يخرج فيلماً من بطولته فيضربه الممثلون، فرانسيس كوبولا يكشف أسراره العائلية ويشرح ارتباطها بأفلامه، جولييت بينوش تمنح صوتها للأدب، ليوناردو دي كابريو يعترف بأن الشهرة كادت تصيبه بالجنون، جون ترافولتا يتحول إلى معتوه لطيف، جوليا روبرتس ترفض التعري، مايكل دوغلاس يحارب السرطان، ميريل ستريب تعمل كمحققة، بيدرو ألمودوفار يغرز يده في أحشاء الممثلين بموافقتهم, وغيرها من الأفكار التي يعمل الكتاب على توصيلها بأمانة لمتلقيها من أصحابها مباشرة وبعناية بالغة بالمضمون والمنهج.
تمام علي بركات