ثقافة

ألو سورية

تمام علي بركات
ألو.. ألو نعم.. من؟ سورية؟ نعم سورية، من معي؟ أنا «ربيع».. سوري أعيش في الأرجنتين.
أهلاً وسهلاً ربيع.. تفضل.
لو سمحت، هل هذه القناة الفضائية السورية؟.
لا.. هنا المؤسسة العامة للزجاج.
مؤسسة عامة؟!.
نعم مؤسسة عامة.
يا الله.. بالله هل ما تقولينه حقيقي؟!.
طبعاً حقيقي، أنا عاملة المقسم في المؤسسة العامة للزجاج، كيف أستطيع أن أساعدك أخي ربيع؟.
نعم أنا أخوك، وأخ لكل سوري شريف لم يزل قلبه عامراً بحب هذا البلد، هل تعلمين أن كل الأخبار التي نسمعها عن سورية تقول إنها بلد مدمر تماماً، ولا وجود لمظاهر الحياة إلا تلك التي تدور في رحاها الحرب.
لا يا أخ ربيع، هناك مناطق من سورية تدور فيها تلك المعارك، لكن الحياة في الكثير من المناطق والمحافظات السورية طبيعية، أو شبه طبيعية، وأغلب مؤسسات البلاد الحكومية لم تتوقف عن العمل إلا ما ندر.
هذا الحديث الذي له تتمة طويلة هو ما دار بين السيدة «مانيا سلامة»، عاملة المقسم في المؤسسة العامة للزجاج مع رجل سوري مغترب في الأرجنتين.
الرجل المتصل لم تعد تظهر القناة الفضائية السورية حيث يعيش، وهو يحاول الاتصال منذ أكثر من شهرين للاستفسار والاطمئنان عن البلاد بعد أن فشل في جعل القناة تعود للظهور لديه مرة أخرى، فالسيد ربيع لا يصدق إلا ما تقوله الفضائية السورية من أخبار عن البلد، إلا أن الرجل كان يحكي وهو يكاد يبكي من الفرح، عندما أخبرته السيدة «سلامة» أن ما يروّج له من خراب تام لكل مؤسسات الدولة في المحطات التي تبث ما تتمناه لبلد لم يتمن لبلدانها يوماً إلا الخير، ما هو إلا كذب وزيف، ويرمي أغلبه في لجة الكذب والافتراء، الحرب تدور نعم، ولكننا نحيا، ونعمل، وأولادنا يذهبون إلى المدارس، وما هي إلا غيمة سوداء أثقلت كواهلنا بمطر أسود، لكننا ننفض كل صباح ما علق منه على أطراف أرواحنا، نشرب قهوتنا، ونسمع لفيروز، وما زلنا «نيبس الباذنجان والبامية» على شرفاتنا، ونصنع الكشك لمونة الشتاء القادم.
طلب ربيع من السيدة مانيا أن تعطيه رقم هاتف الفضائية السورية، ولما لم يكن بحوزتها طلبت إليه أن يعاود الاتصال بها ريثما تحصل له عليه، لكنه آثر البقاء منتظراً على الخط ريثما أجرت اتصالات مكوكية مع معارفها وأصدقائها في مقاسم المؤسسات الحكومية الأخرى، وربما كان الهاتف في القناة يرن الآن.
السيد ربيع، رجل سوري يحيا في الأرجنتين، غابت عنه قناة بلده التي لا يثق إلا بما تقوله في زحمة القنوات التي تحمل في جعبتها أخباراً عاجلة عن سورية، نسبة الصحة فيها لا تكاد ترقى لعنوان المادة التقريرية، ليشعر بأن العالم توقف عن الدوران.
أما «أم محمد»، أو السيدة «مانيا سلامة»، وهي سيدة تعمل في مقسم مؤسسة حكومية، فقالت لي: بكيت عندما شعرت بلهفته وخوفه على وطنه وأهله، رغم أن لا أحد من أسرته يعيش هنا مذ هاجرت العائلة كلها إلى الأرجنتين مطلع الثمانينيات، وبكيت عندما قال لي: الله يحميكم، نحن عائدون قريباً، ابقوا على الخط.