محليات

“خواجات التسوّل”

“رجل بكامل اللباقة يتوسّل إخراجه من مأزق فقدان محفظة نقوده ليركب الحافلة أو باص السفر، وامرأة جلست “تعقص” رضيعها حتى يبكي وتستدرّ عطف المارة، وولد يتعقّبك أينما اتجهت في السوق ليحصل على ما يتيسّر من المال، وفتاة تفاجئك بوصفة طبية لزوم دواء أمها المريضة ولا تملك قرشاً لإنقاذها من الموت، وشاب “مقطوع” تقله بسيارتك في ظروف “التكاتف والتراحم” لينهال عليك بوابل من الصور السوداوية عن حياته ومعاناته لاستدرار العطف الذي ينتهي بالخمسمائة أو الألف…”؟!.
هي مشاهد يعيد الشارع والسوق والأماكن السكنية وحتى أروقة المؤسسات عرضها وتوثيقها يومياً بصور وسيناريوهات تأخذ أشكالاً أكثر من أن تعدّ وتحصى في عجالة نافذتنا هذه، حيث يتجلى ابتداع واختراع وابتكار أساليب ترغيب المواطن بالإحسان والبرّ الذي يعرف “المتسوّل” كيف يحصل عليه بوسائل تناسب المجتمع وعاداته وتقاليده والتزاماته الروحية، ليظهر الرافض والممتنع كمن يعارض ويخالف دينه وثقافته وأخلاقه…؟.
لا نجافي الواقع إذا قلنا: إن “الشحادة” لم تعُد مجرد ظاهرة عابرة بل تفشّت وانتشرت لتصبح عملاً وتجارة رابحة “عدّتها النقّ الزائد” على الطريقة التقليدية المتعارف عليها التي تتحوّل إلى الإكراه والإجبار للتخلص من المتسوّل، وآلياتها العصرية هندام محترم وأناقة مميزة تعطي الانطباع بأن هذا الشخص صادق في كلامه عن ضياع نقوده أو نسيان مصروفه في البيت أو مرض أحد الأصول وغيرها من ادعاءات مختلقة وغير صحيحة،  وليس مطلوباً سوى اختيار الموقع أو الزاوية الاستراتيجية لاصطياد الضحايا عبر شخص واحد وأحياناً عبر شبكة من المحتالين والنصابين الذين يستجرّون المواطن للوقوع في فخّ السطو بأشكال لا تقل عن مستوى السلب والأخذ عنوة، لأن الغاية هي استغلال عواطف ومشاعر المجتمع لخدمة مصالح ومآرب ومكاسب غير مشروعة!؟.
لقد عززت الأحداث وأشكال اللجوء والنزوح ووقوع الكثيرين في مطبّ الحاجة والفقر والعوز المادي فرص العمل بهذا المجال غير المرغوب به اجتماعياً والمخالف قانونياً، حيث ارتفعت وتيرة المعاناة والشكاوى من ازدياد وتفشي التسوّل وتجلياته المتعلقة ببيع العلكة والسجائر والمناديل الورقية من أطفال في سن التعليم الأساسي على الإشارات الضوئية وبين السيارات في مفارق المدينة، ولكن يبقى السؤال الساخن قائماً: لماذا كل هذا التقاعس والتنصّل الذي تبديه وزارتا العمل والشؤون الاجتماعية، وحتى الضابطة التي يبدو أن توافقاً وتنسيقاً وابتزازاً وتواطؤاً يسجّل في هذا الإطار، وبالتالي لا تستطيع مواجهة أي حالة من صبيان ورجال وحتى نساء “التسوّل” بأشكاله القديمة والجديدة، لأن الورطة جاهزة والتهم حاضرة والافتراء يجعل أي مبادرة أو مكافحة فردية في غياب الأهلية والمؤسساتية تدخلاً سافراً وتعدّياً وقطع أرزاق، ويمكن أن يكون التوقيف القضائي مصيراً لغيور أو مهتمّ تعرّض لشكوى غير نظيفة من “متسوّلي ومتسوّلات الخمس نجوم”!؟.
علي بلال قاسم