ثقافة

حفاظاً على الذاكرة الشعبية: مهرجان التراث الشعبي في طرطوس..خطوة واثقة نحو ثقافةٍ راسخة

طرطوس- روبيل صبح:
تفاعل أبناء محافظة طرطوس مع العروض والفعاليات التي تضمنها مهرجان التراث الشعبي الذي انطلقت فعالياته أول أمس الأحد على مسرح المركز الثقافي العربي بطرطوس بالوقوف دقيقة صمت إكراماً لأرواح الشهداء، وكلمة للسيد توفيق الإمام ممثل وزير الثقافة راعي المهرجان أكد فيها على أهمية التراث الشعبي في الحضارة الإنسانية، كونه يشكل ثروة وطنية تختزل جملة القيم والعادات والتقاليد والفنون التي نقلها وتفاعل معها الأجداد جيلاً إثر جيل، إضافةً لدورها الهام في إبراز الهوية الوطنية والشعبية على امتداد حقب التاريخ وتنوع أحداثه.
وقد استهلت فعاليات اليوم الأول بعروضٍ للأزياء الشعبية التي تميزت بها منطقة الساحل السوري على امتداد عقودٍ خلت، ورافقت العرض الذي أشرفت عليه السيدة جمانة حرفوش، العديد من الأغنيات الفلكلورية التي تتغنى بالفساتين والعباءات المصنوعة بطريقةٍ يدوية فيها من الدقة والإتقان والتنوع في الألوان المستمدة من وحي الطبيعة الغنية الشيء الكثير، تلتها عروض لفرقة الفنون الشعبية (أرادوس) بقيادة الفنان ثابت عمران، قدمت خلالها جملة من اللوحات الراقصة والإيمائية التي تحاكي زفة العروس والدبكات الشعبية التي كان يعقدها الأهالي في المناسبات الوطنية والاجتماعية المختلفة، وفي صالة طرطوس القديمة كان المشاركون على موعدٍ مع عشرات الصور الضوئية بعدسة المصورين علي نفنوف وعبد الحميد هلال ولؤي غصن، تبرز الأحداث التاريخية التي مرت على محافظة طرطوس وتعاقبها الزمني، بدءاً من الصور التي توثق لثورة المجاهد الشيخ صالح العلي والمحطات التاريخية التي اختزنتها الذاكرة الشعبية، وانتهاءً بصور أرشيفية لشوارع وأحياء المدينة في خمسينيات القرن الماضي، إضافةً للمواقع الأثرية التي تبرز عراقة المحافظة وجذورها الضاربة في القدم  وطبيعتها الساحرة ببحرها وسهلها وجبالها.
وفي معرض الحرف التقليدية قدم أصحاب الحرف اليدوية القديمة معروضاتهم التي تعتمد في موادها الأولية على الطبيعة كالقدور والأواني الفخارية والمعدات الزراعية المصنعة من الخشب، والأعمال اليدوية التي تشمل لوحات مصنوعة من القش والخشب والنحاس والخيزران وشرانق الحرير والزجاج، ثم تحدث الباحث نزيه عبد الحميد في محاضرته عن الأغنية الشعبية وخصوصيتها في كل منطقة من مناطق الساحل، خاصةً مع تنامي فن الزجل والقصيدة المحكية وما جادت به المخيلة الشعبية من هتافات وأهازيج مازالت تنشدها حناجر المواطنين في المناسبات الوطنية والاجتماعية حتى الآن.
واستمرت فعاليات اليوم الثاني بندوة حملت عنوان (حرفتي هويتي) شارك فيها الباحثان كامل إسماعيل وحسن شعبان تحدثا خلالها عن أهمية الحرفة ودورها في التاريخ والمجتمع، وأبرز التحديات التي وقفت أمامها في الماضي وفي الحاضر خاصةً بعد أن حل مكانها المستورد الرخيص، لدرجةٍ تحولت معها الحرف اليدوية التقليدية إلى نوعٍ من الرفاهية لا سيما صناعة الحرير وتربية دودة القز، على عكس حرفة صناعة البحر التي تميز بها أهالي أرواد عن غيرهم، إذ لا تزال رائجة حتى الآن، ودعا المحاضران إلى ضرورة تبني هذه الحرف من قبل المعنيين بالشأن الثقافي لما لها من أثر في الحفاظ على الهوية الوطنية، والتراثية، خصوصاً في ظل ما نتعرض له الآن من حملاتٍ لتشويه قيمنا وثقافتنا، ونشرٍ لثقافاتٍ طارئة ودخيلة على مجتمعنا السوري الذي تميز عبر مختلف مراحل التاريخ بتنوعه وانفتاحه على الآخر، ثم قدمت جوقتان زجليتان  بقيادة الشاعرين طلال عمار ومعن محمد عدداً من القصائد الزجلية التي تستلهم مفرداتها من وحي الطبيعة والبحر، والحالة الروحية والشاعرية التي أبدعتها أقلام الشاعر وحناجر المغنين على امتداد عقودٍ من الزمن.
واختتمت فعاليات المهرجان أول أمس الثلاثاء بفيلم سينمائي قصير بعنوان(مملكة أوغاريت) وبحفل موسيقي غنائي قدمه الفنان مهدي إبراهيم وفرقته الموسيقية على مسرح المركز الثقافي العربي بطرطوس، بعد أن كرمت إدارة المهرجان الباحثين في مجال التراث الشعبي الأستاذ حسن اسماعيل و الطبيب محمد الحاج صالح وشاعر الزجل التسعيني علي يونس يوسف (أبو شوكت) الذي ألقى عدة زجليات نالت إعجاب الحاضرين.
حضر المهرجان الرفيق غسان أسعد أمين فرع طرطوس لحزب البعث العربي الاشتراكي، والرفيق هيثم محمد عضو قيادة فرع الحزب، وميرفت عثمان عضو المكتب التنفيذي، وليندا إبراهيم مدير الثقافة، والمهتمون بالشأن الثقافي في المحافظة.