ثقافة

قبل قيادتها للفرقة السيمفونية الوطنية السورية غداً أرمينوهي سيمونيان: عدد قليل من النساء في العالم يعملنَ في هذا المجال

هي أول قائدة أوركسترا في سورية والوطن العربي، ومازالت.. وهي الوحيدة حتى الآن التي تحمل شهادتَي الماجستير والدكتوراه في هذا الاختصاص النادر، وحين شاركتْ عام 2007 في مسابقة دولية لقادة الأوركسترا في المجر كقائدة أوركسترا سورية حصلتْ على المرتبة الثانية من بين 26 متسابقاً من 11 دولة، وقد نالت إعجاب وتقدير المنظمين للمسابقة باعتبارها امرأة سورية تحمل شهادة عليا في قيادة الأوركسترا، وتعترف أرمينوهي سيمونيان أن هذه التجربة كانت من أهم التجارب في حياتها المهنية كقائدة أوركسترا..
وعن قيادتها للفرقة السيمفونية الوطنية السورية في الحفل المقرر يوم غد الأربعاء تبيّن في حوارها مع صحيفة “البعث” التي حضرت جانباً كبيراً من بروفاتها في دار الأوبرا أنها الحفلة الثانية مع الفرقة السيمفونية الوطنية حيث كانت الأولى في قصر العظم بدمشق عام 2006 داعيةً الجميع لحضورها مؤكدة أنها ستتضمن برنامجاً جديداً ومقطوعات موسيقية ستقوم الفرقة بعزفها للمرة الأولى. وعن أسباب غيابها الطويل عن قيادة الفرقة وهي المقيمة في سورية رفضت سيمونيان الحديث عنها لأنها هي نفسها لا تعرفها، مكتفية بالحديث في حوارنا معها عن هذا الفن الذي تحبه وتجيده بإتقان بالغ.

قيادة الأوركسترا علم وفن
< وماذا تحدثينا عنك وعن مسيرتك الموسيقية بشكل عام ومسيرتك في قيادة الأوركسترا بشكل خاص.
<< بدأتُ دراسة الموسيقا منذ الصغر في مدرسة شيرام الموسيقية في مدينة غيومري في أرمينيا، ومن بعدها في المعهد العالي للموسيقا، وتخرجتُ منه كمدرّسة وعازفة لآلة البيانو، وقُبِلتُ بعد ذلك في الكلية الموسيقية “كونسرفاتوار كوميداس” في مدينة يريفان، ودرستُ فيها لمدة خمسة أعوام وحصلتُ على درجة ماجستير في عزف وتعليم آلة البيانو، ولأن طموحي كان متابعة الدراسة في قيادة الفرق السيمفونية والأوبرا تقدمتُ بطلب لدراسة القيادة وتم قبولي وخضعتُ لتجربة لمدة عام كامل للتأكد من قدرتي على دراسة القيادة وكان ذلك تحت إشراف قائد دار أوبرا يريفان البروفيسور يوري تافتيان، وبعد اجتياز الاختبارات تم قبولي لدراسة اختصاص قيادة الفرق السيمفونية والأوبرا، وبعد دراسة أربع سنوات تخرجتُ كقائدة ومُنِحتُ درجة الماجستير في قيادة الفرق السيمفونية، ولتقديري الممتاز أكملتُ دراستي للحصول على شهادة الدكتوراه وكان ذلك في العام 2006 تحت إشراف أساتذة قديرين في التأليف الموسيقي والقيادة كيوري تافتيان وأميل خاتشادوريان والمايسترو والمؤلف العالمي ميرزويان، وخلال هذه الفترة عملتُ كمدرّسة بيانو في عدة معاهد في أرمينيا، أما في مجال القيادة فعلمتُ كمساعدة لقائد أوركسترا لفرقة الأوبرا الوطنية الأرمنية تحت إشراف قائدها المايسترو يوري تافتيان من العام 1999 حتى 2001 حيث قدتُ الفرقة السيمفونية الوطنية الأرمنية وفرقة الفيلهارمونيا لمدينة غيومري بعدة حفلات، ثم انتقلتُ للإقامة في سورية أنا وعائلتي وعملتُ مع الراحل صلحي الوادي وكنتُ مساعدة لقائد أوركسترا السيمفونية الوطنية السورية حتى رحيله، بعد ذلك أنشأتُ الفرقة السيمفونية التابعة لمعهد صلحي الوادي وفرقة كورال اختمار التابعة لجمعية الترقي الثقافي في العام 2007.
<اعتدنا على وجود قائد الأوركسترا، ولكن قلة قليلة تدرك حقيقة دوره وأهمية وجوده، فماذا تخبرينا عن هذا الدور وأهميته؟
<< قيادة الأوركسترا علم وفن، وهي الأصعب والأعلى في علوم الموسيقا، فالمايسترو هو المسؤول الأول والأخير عن أداء ونجاح أية فرقة موسيقية مهما كان نوعها.. وباختصار هو الجسر أو صلة الوصل التي تنقل أفكار ومشاعر المؤلف من النوتة الموسيقية إلى العازفين، وبالتالي إلى الجمهور، ودون وجوده سوف يعزف كل عازف في الفرقة النوتة حسب فهمه لأن كل عازف يملك الإحساس الداخليّ والحسّ الإيقاعي الخاص به والذي يختلف من شخص لآخر، وبالتالي في حال عدم وجود قائد أوركسترا سيعزف كل عازف على هواه وستسود الفوضى في الفرقة.
< بما أن نتيجة عمل أي أوركسترا تختلف حسب القائد، فأية صفات يجب أن يتمتع بها قائد الأوركسترا الناجح؟
<< باعتبار أن كل مقطوعة موسيقية تعبّر عن فكرة خاصة بالمؤلف فإن قائد الأوركسترا هو الذي ينقل هذه الفكرة المكتوبة في النوتة إلى العازف ليتلقاها المستمع ويفهمها، وبالتالي فإن المايسترو يجب أن يتمتع أولاً بمستوى علميّ موسيقيّ رفيع في اختصاص قيادة الفرق، كما يجب أن يتمتع بجميع صفات القائد من قوة وإرادة وصبر ومثابرة وتنسيق جيد، بالإضافة إلى تمتعه بسماعية مطلقة وإحساس مطلق بالإيقاع وذاكرة موسيقية قوية وموهبة تربوية عالية كي يستطيع ضبط الفرقة وتعليم عازفيها الأداء المتكامل.

المايسترو  ليس ممثلاً
< وكيف تفسرين تعاظم دور قائد الأوركسترا في السنوات الأخيرة؟
<< أشير في البداية إلى أن القيادة كانت في السابق تقع على عاتق أحد أعضاء الفرقة الموسيقية، حيث كان يقود الفرقة أثناء عزفه على إحدى الآلات، ولكن بعد تطور الأعمال الموسيقية والسيمفونية التي يتطلب أداؤها آلاتٍ متنوعة وكثيرة، وأعداداً كبيرة من الموسيقيين كان يجب أن ينفصل القائد عن العازفين كي تستطيع الفرقة أداء المؤلَّفة الموسيقية.. وهكذا تعاظم دور قائد الأوركسترا حتى يومنا هذا، وأصبح علماً قائماً بحد ذاته وهو في تطور مستمر، وهنا أحب أن أذكر أن فاغنر هو المؤلف وقائد الأوركسترا الأول في القرن 19 الذي أحدث ثورة تاريخية في الموسيقا عندما وقف متجهاً للعازفين ليكون على صلة مباشرة مع العازف ليحصل على الأداء المثالي والمتكامل.
< قال ذات مرة المؤلف الشهير جوستاف ماهلر: “لا يوجد اوركسترا عظيمة فقط، يوجد مايسترو عظيم” هل توافقين على ما قاله؟ ومن هو المايسترو العظيم برأيك؟
<< أوافقه الرأي، ولكن هذا الكلام ينطبق على الأوركسترات الكبيرة التي تمتلك عازفين ممتازين ومحترفين، وفي النهاية فإن الأمر برأيي متكامل، فإذا كان قائد الأوركسترا ضعيفاً والفرقة قوية سوف لا نحصل على الأداء المتكامل والجيد، أما بوجود قائد عظيم فالعمل سيكون شاقاً ولكن النتيجة ستكون ممتازة بالتأكيد، أما المايسترو العظيم فهو الذي يضبط الفرقة بيديه وجسده ويكتشف أخطاءها ويصلحها ويجبرها على الأداء الممتاز.
< قيادة الأوركسترا فن.. كيف تجدين واقعه في سورية مقارنةً مع دول أخرى؟
<< كل فرقة موسيقية وكل قائد يملك نمط أداء وقيادة مرتبطة بالتقاليد والإمكانيات التي يملكها.. من هنا يجب على من يريد أن يصبح قائد أوركسترا أن يحترف أولاً العزف على آلة موسيقية ومن ثم دراسة اختصاص قيادة الفرق الموسيقية، وكنتُ أتمنى لو تم تبنّي هذه الطريقة في الدراسات العليا في سورية كي نستطيع تخريج قادة أوركسترا ذوي كفاءة، وهذا يعني باختصار شديد أن القيادة علم وفن، وأن المايسترو الواقف أمام الفرقة ليس بممثل ولا برجل يرغب في استعراض حركاته الجميلة فقط.
< مازال حضور المرأة في القيادة الأوركسترالية قليلاً جداً.. كيف تفسرين ذلك، وحبذا لو تعطينا فكرة عن أهم القائدات في هذا المجال.
<< كي تصبح المرأة قائدة أوركسترا يجب أن تمر بطريق طويل وصعب جداً، حيث يجب عليها التغلب على الفكر المحافظ لدى العازفين الذين لا يقبلون المرأة كقائدة، وبالتالي يجب عليها الحصول على ثقة العازفين والجمهور، ومن الأسباب الرئيسية التي تفسر العدد القليل للنساء في هذا المجال عدم الرغبة في خوض هذا العمل الشاق والمضني الذي يتطلب الصبر والطاقة الهائلة، مع الإشارة إلى أن الإمكانيات متساوية بين الرجل والمرأة في هذا المجال.. وبالعموم هناك عدد قليل من النساء في العالم يعملنَ في هذا المجال وأهمهن ناديا بولانج قائدة أوركسترا بوسطن التي علّمت وخرّجت عدة قادة معروفين في العالم والمايسترو كاترين روكورد وهي القائدة الرئيسية لمدينة ماينتز في أميركا والمايسترو سيمونا يانغ القائدة الرئيسية لأوبرا هامبورغ، كما يجب أن نذكر المايسترو فيرونيكا توداروفا التي دخلت سجل غينيس لقيادتها الفرقة السيمفونية لمدة 50 عاماً.
< ما رأيك بالفرقة السيمفونية الوطنية السورية؟ وما سبل تطويرها؟
<< الفرقة السيمفونية الوطنية جيدة وتمتلك كل المؤهلات المطلوبة حيث تضم عازفين على مستوى عال من الحرفية وهم يمتلكون طاقات إبداعية هائلة تمكّنهم من مجاراة أهم الفرق إذا ما لقيت الفرقة كل الرعاية والاهتمام المطلوبين كإجراء تدريبات متواصلة للفرقة ورفدها بالطاقات الشابة والاطلاع على كل ما هو جديد عن طريق إقامة ورشات عمل للعازفين واستضافة فنانين وقادة أوركسترا من خارج القطر، مع الإشارة إلى الاهتمام الخاص الذي يوجهه وزير الثقافة أ.عصام خليل لهذه الفرقة وإبراز الوجه الحضاري لسورية من خلالها ولاسيما في الظروف الصعبة التي نمر بها.

أمينة عباس