ثقافة

احتفاء بالإبداع

سلوى عباس
المسرح بحسب تعبير جان لوي بارو أحد أعرق الفنون وأعظمها، وأهم جزر الصدقية الإنسانية، إذ ينحّي جانباً كل شيء يفرّق بين البشر، ويدعم كل ما هو مشترك بين الناس، ويكشف عن القلب الذي يتقاسمونه، ما يجعله أفضل وسيط للسلام. وهو أيضاً -حسب الراحل سعد الله ونوس- المكان النموذجي الذي يتأمل فيه الإنسان شرطه التاريخي والوجودي معاً، هذه الرؤية توضح ظاهرة عالمية المسرح، واليوم وفي مناسبة الاحتفال بيوم المسرح نلمس أهمية هذه الكلمات التي تؤكد على بقاء المسرح واستمراره كرسالة إنسانية، تعكس الواقع بكل قضاياه وإشكالاته، وأن المسرح مازال يخلق لنا فضاءات تحقق انتماءنا الإنساني والمصيري، ويشكل توازننا الداخلي، ويبقى فناً تحريضياً، وحواراً مفتوحاً بلا حدود للانفتاح على الآخر.. فن يشتبك مع الذات الإنسانية بسرعة خاطفة، ويهيمن عليها ويستدرجها للبوح، فالعمل المسرحي هو حالة عناق حقيقي لجوهر الحياة يعمل المهتمون به على أن يكون منبراً لقضايا الوطن.
والاحتفال بهذا اليوم يعبّر في مضمونه عن القيمة الإنسانية والحضارية للفنان الذي أفنى حياته في خدمة فنه، وهو يوم يجتمع فيه الإبداع ليوقد شموع الأمل التي تنير الطريق لعشاق هذا الفن العريق، وليكبر في عيون من سهروا الليالي من أجل إبقاء شعلته متقدة رغم كل الظروف التي تعرّض لها، وليكون ملجأ لمتلقي إنجازاته وعطاءاته الثرة.. يوم ترفع فيه أشرعة المحبة والوداد، وتتوهج قناديل الإبداع والتلاقي الثقافي التي يرنو أصحابها لأفق مفتوح على المدى.. والاحتفال بالمسرح لا يقتصر على يوم وحيد ومحدد، فكل يوم يقدم فيه المسرحيون عطاء جديداً يعتبر يوماً عالمياً للمسرح، فشعلة المسرح متقدة دائماً لتضيء في زاوية من زوايا العالم. وقد كان المسرحيون السوريون حاضرون وبقوة خلال فترة الأزمة وتحديداً هذا العام، حيث أعادت العروض التي قدمت الجمهور إلى مسرحه، ليعيش طقوسه، وكم كانت تطربنا عبارة “لم يبق أمكنة”، حيث كان الكثيرون يغادرون ليعودوا في اليوم الثاني بوقت أبكر ليحصلوا على تذكرة لحضور العرض، وقد تراوحت التجارب التي قدمت في عام 2014 مابين الشبابية والمخضرمة، حيث أثبتت هذه الأعمال أن المسرح هو أهم أداة يمكن أن تحقق الوعي الاجتماعي والثقافي والإنساني، والتأكيد على دوره في محاربة القبح والموت بالجمال والإصرار على الحياة، عبر وظيفته الإنسانية والحضارية والثقافية، وقد تمّ التركيز في هذه الأعمال على إحياء الواقعيّة بأشكالها واتّجاهاتها، إيماناً من القائمين على المسرح بأنّ العمل المسرحي لايقتصر على جمهور النخبة فقط، إذ إنّ المسرح الواقعي المقدَّم بإطار محلّي شعبي قد تبقى دلالاته راسخة في ذهن المتفرّج عموماً، لأنّها تجسّد حقائق معيّنة على خشبة المسرح.
اليوم هو يوم المسرح، وهذا يتطلب منا وقفة مع أنفسنا نراجع فيها حساباتنا خلال عام مضى، ماذا أنجزنا؟ وماذا حققنا من طموحاتنا، وهل ما حققناه كان بمستوى الحلم الذي عشناه؟ وماذا عن أزمة المسرح التي طال الحديث عنها.. هل هي أزمة حقيقية؟ أم أن هذا جزء من طبيعة المسرح كفن قائم على القلق..؟ وحول الحديث عن  هذه الفكرة التي شكلت محوراً للعديد من النقاشات المسرحية، فيمكننا القول: إن المسرح فن مأزوم منذ الأزل، ولن يصل في يوم لحالة الطمأنينة، وهذا ليس في بلدنا فقط، بل الأمر ينسحب على مستوى العالم بسبب أن المسرح غير مرغوب استثمارياً، وبالتالي فهو بحاجة للرعاية المؤسساتية والدعم المادي، كما أن جمهوره محدود دائماً والعاملون فيه متطوعون لأنهم استطاعوا أن يدركوا لذة أن يقدموا على خشبة المسرح عملاً له لون وطعم ورائحة الحلم الذي يرغبون، ومن هذا المنطلق ستبقى أزمة المسرح قائمة لأنها ترتبط بتطلعات ورؤى كل مرحلة زمنية، وسيبقى هناك أشخاص يبحثون ويعملون ولن يصلوا للحالة التي ترضي طموحهم، لأن المسرح فن قائم على القلق ولن يكون هناك صورة يؤطر المسرح من خلالها.