ثقافة

مجهولة المصدر وتُصدَّق!

جمان بركات
يومياً نرى أنفسنا على موعد مع شائعة جديدة تأخذنا لمكان حزين على فقدان فنان له مسيرة فنية طويلة، ونقول “لن يكرر التاريخ مثله”، وفجأة بعد مدة قصيرة (يمكن أن تكون ساعات أو يوماً) يخرج أحد أقارب الفنان أو أحد أصدقائه المقربين لتكذيب هذه الشائعة، ويؤكد أن المشاع عنه بحالة جيدة وبخير، أو يطلب من أحد المصورين أن يلتقط له صورة لتكون خير دليل على تكذيب هذه الشائعات، ومع تطور التقنيات أصبحنا نسمع صوت الفنان على “اليوتيوب” وهو ينفي الخبر.
يندهش الفنان “المتوفى” من مثل هذه الأخبار التي تنتشر بين الحين والآخر، دون أن يكون لها أي أساس من الصحة سوى انعكاسها السيئ على حالته النفسية وحالة أسرته عند سماعهم مثل هذه الأخبار..
في الواقع، تعتمد الشائعة على حادثة ما أو مشكلة ويميل الناس عادة لتصديق الأسوأ، وكلما اسودّت كلما كان التصديق أكبر، فإذا أطلق أحدهم شائعة بأن فتاة تم قتلها في شارع ما، تلعب ظروف كثيرة دوراً في سرعة نقل الخبر وتصديقه، مثل بعد المكان وعدم وجود شيء في متناول اليد، وهذا كله كاف لإشعال فتيل فتنة ما، بالإضافة إلى أهم عنصر ألا وهو” التوابل” التي تضاف على الخبر، كأن يطلق صاحبها أن القاتل هو فلان الهارب من حكم ما، وأنه شوهد هناك، ولكن الواقع أسوأ بكثير من هذا خاصة فيما يخص مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك، تويتر…) التي تعتبر وسيلة نشر ممتازة تصل إلى الناس، والترويج عبرها سهل جداً، فجميع الأخبار والإشاعات تنتشر بشكل هائل وتعطي الجميع فكرة عن كل ما يجري من أحداث حول العالم، فالمبالغة التي تصاغ بها الشائعة ورغبة مطلقها في تحقيق الأثر الفوري والتحرك السريع والضغط على مفاتيح مؤثرة في قضايا معروفة، كموت فنان أو إصابته بمرض خطير، حينها يكون الجميع جاهزين للإفصاح عن كل شيء، وتقديم التعازي أو الأمنيات بالشفاء العاجل وعدم إصابة الفنان أو الفنانة بأي مكروه.
في الواقع، تبنى الأخبار على مصادر مجهولة، على الرغم من أنه في كثير من الأحيان يكون واضحاً عدم صدقية الخبر، لكن الجميع يقوم بعمل مشاركة وإعجاب دون أي تفكير أو إثبات، وهنا تبدأ المشكلة ويبدأ الخبر بالانتشار ويصبح الكل جاهزاً للكتابة على حائطه كل الشائعات، وفي النهاية هذا الحائط موجود على “الفيس بوك” الذي يتسع لأكاذيبه وأخباره شئنا أم أبينا.
مشكلة الشبكات الاجتماعية اليوم أنها أصبحت مستنقعاً مليئاً بالأخبار الكاذبة والتحريفات التي تستخدم للتلاعب بمشاعر الناس وتوجيه الأنظار نحوها، ونافذة لمن يهوى الشائعات لترويجها، فقد تداولت المواقع مؤخراً خبر وفاة فنانين عرب كبار، ولم يمنع هذا الموقع من تشكل مجموعات ذات طبيعة مسيئة ومحبة لنشر الأكاذيب والإشاعات فهو في النهاية موقع ذو بيئة صالحة للفضيحة والتشهير والاختراق والانتحال وسوء الظن بالآخرين، ووسيلة لنشر كل شيء دون التحقق من مصداقيته، وفي آخر المطاف، تنجح الشائعة إذا كانت عوراء، فإذا أبصرت صارت نكتة غير مستساغة، وإذا عميت، لن يهتم بها أحد إلا بعض من يهمهم الأمر وتتحول لحادثة لا تعني الكثيرين فكيف نتعامل معها؟.. والسؤال الذي يحضر للأذهان: لماذا لا نترك هذا الموقع بدلاً من إعطائه قيمة تساهم في ضياعنا؟.