ثقافة

“القنّاص”.. الرّواية على لِسان “الشّيطان”

على صوت الآذان تدخل الدبابات الأميركية الأراضي العراقية، ويداهم جنود المارينز البيوت بحثاً عن الإرهابيين، وعلى أحد الأسطحة؛ بينما عين”القنّاص” تتابع عبر مرصده، حركة الجنود والأهداف، يستعيد طفولته وصورة والده يقوم بتدريبه على الصيد مثنياً على مهارته قائلاً:”ستكون صياداً ماهراً في يوم من الأيام”. وفي رأسه تتردد وصايا الأب: الناس ثلاثة أنواع: خراف وهم أولئك الذين يرون الشر على أبوابهم ولا يملكون القدرة على حماية أنفسهم، وهناك المفترسون والذئاب وهم أولئك الذين يتنمرون على الضعفاء، وأخيراً الكلاب التي تعيش لحماية القطيع ومواجهة الذئاب، ونحن في هذه العائلة لا نربي أياً من تلك الأغنام.
يشارك القنّاص، في الحرب على العراق من خلال أربع جولات تقطعها زيارات قصيرة إلى الديار حيث زوجته وطفلاه، كان الهدف الأول لمجموعته القضاء على زعيم القاعدة الزرقاوي بينما جعل ” كايل” هدفه القضاء على قنّاص عراقي شارك سابقاً في الأولمبياد، يكتشف لاحقاً أنه  سوري الأصل.

الأسطورة
استند المخرج والممثل” كلينت ايستوود” في روايته للحكاية إلى مذكرات القنّاص الملقب بالشيطان الرمادي أو”الأسطورة” والذي يعتبر أكثر القنّاصين وحشية في التاريخ العسكري الأميركي وقد سجل في رصيده 160 عراقياً وعراقية، بينما أكد هو أن العدد يتجاوز 250 ضحية، وقد قدّمه مخرج الفيلم بصورة تضج بالإنسانية، قرر الانخراط في الجيش إثر التفجيرات التي استهدفت السفارة الأميركية في تنزانيا وأوقعت 80 قتيلاً و700 جريح، وبدأت تتنازعه مشاعر الألم والإحساس بالذنب كلما سدد سلاحه باتجاه ضحية من ضحاياه، تسأله فتاته التي تعرّف إليها صدفة:
– هل أردت دوماً أن تكون جندياً؟
– أردت دائماً أن أكون راعي بقر، ولكني فيما بعد شعرت أني أرغب بشيء آخر.
– هل فكرت يوماً أن هناك شخصاً حقيقياً سوف تصوب إليه؟
– لا أدري أنا فقط أريد القيام بعملي على أكمل وجه.

أشرار وضحايا
في الفيلم دعوة واضحة لتعميم مفهوم السلاح، فالكل أعداء للأميركي المتوجس من نوايا الجميع وهو مستعد دوماً لرفعه في وجه من اختلف عنه. في فترة التدريب التي يخوضها بعد التحاقه بالجيش يصرخ المدرب بجندي أسود البشرة:
– ديف، ما الذي تفعله في فريقي والجميع يعلم أن الرجال السود لا يسبحون؟
فيجيبه الجندي: سيدي أنا لست أسوداً، أنا الآن أسود جديد، أركض بخفة، أقفز منخفضاً وأسبح بشكل جيد، سأجعل الرفاق سعداء.
ومن جهة ثانية قدم العراق والعراقيين كحفنة من الأشرار ومجموعات من الخونة والأنذال، وهي عبارات كررها” برادلي كوبر” الذي أدى دور القنّاص، كلما سنحت له الفرصة، الجميع كباراً وصغاراً رجالاً ونساء وحتى الأطفال جميعهم كانوا الجانب الشرير الذي يتسبب بمقتل جنود المارينز أو دمار نفسياتهم.
في أحد المشاهد يبدي صديقه رغبته بالتوقف عن القتال وقد نال منه اليأس قائلاً:
–  أنا فقط أريد أن أؤمن بما نفعله هنا. فيجيبه كريس قائلاً:
–   هنا شرور وعلينا مواجهتها.
–   ولكن الشر موجود في كل مكان.
–   وهل تريد لهؤلاء الأشرار أن يأتوا إلينا في نيويورك أو سان دييغو؟
–  إذاً لنذهب ونقتل هؤلاء الأنذال.

حقائق ومغالطات
“ كايل” الذي أتى صورة للأميركي البطل الخارق القوة والذكاء، يكشف أعداءه بمنظاره ويقتنصهم واحداً تلو الآخر، ينقذ جنود المارينز من الوقوع في أكثر من فخ أعده لهم مسلحو القاعدة، يعود دائماً في أغلب المشاهد للتأكيد على أن ما قام به الأميركيون في العراق أمر أخلاقي وواجب وطني على الجميع القيام به دفاعاً عن أميركا. فهو حتى بعد عودته إلى بلده وقد نالت الحرب من نفسيته، يجيب طبيبه النفسي الذي سأله إن كان يشعر أن هناك شيئاً فعله وهو نادم عليه، أو أنه لم يكن عليه فعله؟ فيقول: أنا كنت أحمي الرجال ممن كان يحاول قتلهم، وأنا الآن مستعد لمقابلة الإله ليسألني عن كل رجل قتلته، والشيء الوحيد الذي يطاردني هو كل أولئك الذين لم أتمكن من إنقاذهم.
قدم الفيلم قصته من وجهة نظر وحيدة بمغالطات عديدة بالرغم من الحقيقة التي يعرفها الجميع أن السبب وراء غزو العراق لم يكن تهديدات القاعدة، والقاعدة تنظيم نشط إثر 11 أيلول التي أتت في الفيلم سبباً للحرب، بالإضافة إلى التفجيرات التي استهدفت السفارة الأميركية في تنزانيا، متغاضياً عن ذكر إصرار الرئيس الأميركي بوش على دخول الحرب وحيداً بحجته الشهيرة الخادعة عن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، ولم يدخل في نقاش يتناول خلفيات الحرب وأسباب انخراط العراقيين في القتال، فأتت الحرب بجميع جولاتها مواجهة مع العراقيين والقاعدة وجماعاتها ممثلين للجانب الشرير من جهة، وفي الجهة المقابلة جنود المارينز بصورة الضحايا على الدوام.
بالرغم من افتقاد غالبية مشاهد الفيلم القدرة على إثارة مشاعر المتفرج، وكسب تعاطفه، إضافة إلى زيف الوقائع التي اعتمدها، فقد تم ترشيحه لستة أوسكارات بينها أوسكار أفضل ممثل رشح لها “برادلي كوبر”، فشل الفيلم في الحصول على أي منها.
بشرى الحكيم