ثقافة

«الرابعة بتوقيت الفردوس» مشاهد فجائعية تختزل ما نعيشه

ربما تكون فجائعية المشاهد التي نعيشها أكثر إيلاماً من خلال صور متلاحقة متتابعة لشخوص لا رابط بينهم، تحكمهم طبيعة أوضاع مشحونة بالتوتر والخوف، يقفون إزاءها عاجزين، لا يملكون إلا شجاعة الصراخ في وجه الأقدار القاسية، ليعبّروا عن ضعفهم وجراحهم النازفة.
في فيلم «الرابعة بتوقيت الفردوس» الذي جاء بتوقيع المخرج محمد عبد العزيز، وإنتاج المؤسسة العامة للسينما، وقدم مؤخراً في عرض خاص في سينما سيتي، استهل المخرج تلك الصور بمشاهد بدت للوهلة الأولى مفككة وغير مترابطة، على غرار ما نشاهده في إطار بعض الأعمال  العالمية، قد تصبح فيما بعد مدخلاً لمناخات سينمائية جديدة، فمن مشهد تسلل الأفعى، إلى احتراق البيانو، إلى عامل الرافعة، إلى تفجير السيارة، إلى محاولة الانتحار، إلى المواجهة مع حبيب خائن، تتضح فيما بعد العلاقة التي تربط بينهم أثناء مسارها الدرامي ضمن سياق زمني واحد يحدد مصيرها النهائي في تمام الساعة الرابعة بتوقيت دمشق، الساعة الرابعة التي كانت تحمل الكثير من الأمل والحب والتفاؤل لبعض الشخوص، لكنها في الواقع كانت تحمل لهم النهاية المحتومة التي خُتمت بالموت.
الأمر اللافت أن المخرج مزج بين الواقعية المباشرة في إيضاح ملامح الأزمة وتبعاتها، مثل مغادرة كثيرين أرض الوطن، وسفرهم إلى مجتمعات غريبة عن مجتمعاتنا بغية النجاة، وحوادث السيارات المفخخة، والانفجارات التي هزت دمشق، مثل: انفجار القزاز، الحواجز الأمنية، ودور الجنود الذين يعدون خط الدفاع الأول لحماية الناس أثناء حدوث أية أخطار، العنف واقتتال أبناء الشعب الواحد بالسكاكين، واستغلال ضعفهم من خلال شخوص انتهازيين يُدعون تجار الأزمات، والمتاجرة بالأعضاء البشرية في وقت كثُر فيه الموت، وكثرت فيه الأعضاء البديلة، وفي الوقت ذاته جنح نحو الرمزية العميقة، فتسلل الأفعى الملساء إيماءة إلى دعم الدول المعادية المعارضة الخارجية، والعمليات الإرهابية، وضياع الأب في شوارع دمشق يعني التشتت والضياع لكثير من الأبناء عن أهلهم، وأيضاً محاولة انتحار والد مايا (الفنان أسعد فضة) بالمسدس لعدم احتمال خيباته وخسائره، رمز لليأس الذي تسلل إلى نفوس بعض الناس، وتصوير المشاهد الأخيرة في منطقة قوس باب شرقي التاريخي وباب توما، دليل على التلاحم الديني، والإخاء الذي يعيشه الشعب السوري، وكذلك ولادة الطفلة الملطخة بالدم تعني انبعاث حياة جديدة للشعب السوري، منبثقة من قسوة الموت، وتجمع الفتيات في أسواق دمشق، وهن يحملن لافتات كُتب عليها «بيكفي من أجل الشعب السوري»، إشارة واضحة إلى المصالحة الوطنية.
في الفيلم مشهديات بصرية تحمل أضداداً حياتية تشبه تضاد الألوان بين الحب والحرب، والخوف والأمان، والقبح والجمال، والرصاص والموسيقا، والموت والحياة، تترجم حالات إنسانية تمثل أطياف المجتمع السوري المتماسك، وهذا بدا واضحاً من خلال شخصية المرأة الكردية، زوجة البائع المتجول، والتي تعاني من سكرات الموت، فيحملها زوجها لينقذها من الألم في ساعاتها الأخيرة، ولا يملك شيئاً لقبولها بالمشفى الخاص فيترك هويته رهناً ليعود ومعه المال قبل نهاية الدوام في الساعة الرابعة، ومايا المريضة بالسرطان التي تأخذ الجرعات، وتعاني من بعد ابنها عنها بسبب تحكم زوجها الذي ينتمي إلى مجتمعات تدعم الإرهاب، تقرر الخروج من غرفتها قبل الساعة الرابعة، وتجد منفذ ضوء يبدد عتمة انتظار الموت في علاقتها مع حبيبها القديم هاني (سامر عمران)، عازف الموسيقا الذي سيقود الاوركسترا لأول مرة في الأمسية الموسيقية في الساعة الرابعة، وهو أخ نايا (يارا عيد)، راقصة الباليه التي تشعر بحرارة الحب مع الجندي المكلف بحراسة الحاجز المتاخم لمنزلها، والتي ستقدم عرضها في الساعة الرابعة، كما عاد المخرج إلى صور ماضية من تاريخ سورية الحديث من خلال هاني الذي استعاد حريته، وخرج من المعتقل بعد سنوات ليكتشف أنه يمكن أن يعبّر عن آرائه وتطلعاته بطريقته الخاصة دون الالتزام بنظام معاد، هذه المشاهد رافقتها موسيقا شاعرية، ونغمات حزينة، وأغنيات كردية خاصة تبوح بألم أولئك الشخوص المثقلين بالهموم والوجع.
وقبل أن تصل عقارب الساعة إلى الرابعة بتوقيت دمشق، تنتقل الكاميرا بين مشاهد فجائعية تحدد مصائر الشخوص، فالبائع المتجول يطعن بالسكين لأنه رفض بيع كليته، وإجراء العملية مقابل مبلغ تافه، ويموت من أجل الحفاظ على دواء زوجته، وفي الوقت الذي يحاول فيه رجال الإطفاء إخماد النيران المشتعلة بسيارة نايا المفخخة، إذ تموت في غرفة العمليات، ومع اقتراب موعد الأمسية الموسيقية، يفاجأ هاني باعتراف صديقه الذي أهداه البيانو بأنه هو الذي أبلغ عنه في السابق بعد رفض عرضه بترؤس التيار المعارض حالياً، فيتخبط بحالة جنون تفقده وعيه، ويحرق البيانو، وتتسلل الأفعى من جديد دون أن تنفث سمها بجسد هاني، في إيماءة إلى عدم تمكن المعارضة والعصابات المسلحة والتنظيمات الإرهابية من السيطرة على أبناء الشعب السوري، لينتهي الفيلم في تمام الساعة الرابعة بمشهد دلالي يجمع بين هاني وحبيبته مايا في البحرة التي تتوسط البيت الدمشقي العريق مع التفاحة التي توحي باستمرار الحياة، ودورانها رغم كل شيء.

ملده شويكاني