ثقافة

علي نفنوف.. واصطياد الزمن الهارب

عندما تلتقي الفنان علي نفنوف ترى شيئين لا يفارقانه: الابتسامة والكاميرا. فيأخذنا في حالة من النشوة والشغف. وفي دردشة معه حدثنا عن علاقته مع الكاميرا، ومع هواية التصوير الضوئي واصطياد الزمن الهارب كما يحلو له، مترافقاً مع ابتسامته التي تنبع من قلبه النابض بالحب والإخلاص لكل من يلتقيه، إذ يقول:
تنوعت التعاريف المتعلقة بالفن الضوئي، إذ أطلق عليه البعض فن اصطياد الزمن الهارب، في حين يرى آخرون أنه لحظة يتوقف فيها الزمن، ويميل جزء من المهتمين بهذا الفن إلى تسميته اللحظة الهاربة. ويوضح نفنوف أن هذه الهواية سميت بهواية الملوك لأن ريشتها الضوء، ومسرح الإبداع فيها هو العين، ولأن من كان قديماً يستطيع امتلاك الكاميرا هم فقط الطبقة المخملية، وبالتالي كان الفقراء بمنأى عن امتلاكها. في حين لـ “نفنوف” بشكل شخصي رأيه بأن هذا الفن هو أم الفنون التشكيلية، لأن اللوحة الفنية تبدأ من صورة وتنتهي إلى صورة. وما دمنا نتحدث عن الصورة، فإن من أهم مقومات الصورة الناجحة بنظره رسالة الصورة والأفكار التي تحملها بين طياتها، إضافة الى اختيار الزاوية وجهة الإضاءة وتوقيت اللحظة ومدى إحساس المصور باللقطة وتطابق هذا الإحساس مع مهارة العين وكبسة العدسة، فألوان الصورة شاهد إثبات على الحقيقة المجردة التي تحملها الصورة، وهنا تظهر مهارة فنان التصوير في إمكانية تحويل مشهد عادي ومألوف إلى مشهد جمالي يستفز العين ويأسرها.
أما عن علاقته مع الكاميرا، فيقول إنها العين الثالثة التي يرى فيها ومن خلالها الأشياء بطريقة أخرى، حيث ترتبط بالتوريث للذاكرة والاحتفاظ بالمشاهد الاعتيادية بطريقة أخرى ويضيف: “الكاميرا عكازة روحي في الحصول على مسرح الصور التي أطمح إليها”.   وعن أهمية اللحظة في التقاط الصورة يرى أن التصوير حالة إبداعية وجدانية مثلها مثل الشعر والرسم والموسيقى، يلزمها جواً وعالماً ومزاجاً خاصاً لارتباطها بالأحاسيس والمشاعر، فلحظة التقاط الصورة هي لحظة وعي الروح ويقظتها لعالم الثواني الذي يسيطر على حركة الحياة. والتصالح بين المشاعر وقدرة الانسجام بين ما تراه العين وما يشعر به الفنان من الصورة التي يطمح إليها، بين اليد التي ستضغط على زناد الضوء لتلتقط الصورة، وبين العدسة التي قد تستجيب في اللحظة المناسبة أو لا. كل هذه العوامل هي اللحظة التي يدركها المصور وحده مع كل التقاطه، وهي لحظة انتصار فيما لو تطابقت العوامل السابقة مجتمعة. ويتابع الفنان نفنوف: “هنا أود أن أؤكد أنني أعشق اللقطة غير الاعتيادية، تلك اللقطة التي تمنحني التفرّد والتميّز، لأن المشهد الثابت هو ملك لكل المصورين من هواة ومحترفين، أما اللقطة النادرة فهي اللقطة التي تمنح المصور هوية خاصة”.
أما عن عذرية الصورة في زمن التكنولوجيا وبرامج معالجة الصور، فيرى أن أي تدخّل من قبل الكمبيوتر وبرامج معالجة الصورة هو خيانة عظمى للصورة وللتصوير، واغتصاب حقيقي لمسرح الألوان فيها، لذلك يجد نفسه متطرفاً جداً للّقطة وليس للانبهار التكنولوجي الذي يمكن أن يقوم به البعض من خلال الكمبيوتر.
وفي معرض رده على سؤال عن رضاه على الصورة بعد التقاطها، يتحدث عن عدم رضاه بشكل تام لأنه دائماً يطمح إلى المزيد، وبالتالي هناك شغف حقيقي بالتميّز، لأن عدم الرضا يدفع دائماً للمزيد من الإبداع والبحث عمّا يرضي ذائقة المتلقي وثقافته.
وفي زمن الفبركات والتضليل، يرى نفنوف أن الصورة هي رمز التطرّف في الصدق المطلق لأن الصورة لا تكذب، لكن قد تكون للقائمين عليها أهداف أخرى، فيتم توظيفها في غاية لم تكن لها، كأن تصوّر حشداً من الناس بانتظار الدخول إلى مسرحية وتوظّفه في الحديث عن أزمة الخبز مثلاً أو غير ذلك. القضية مرتبطة بمصداقية من يوظّف الصورة التي هي بالمطلق لغة الحقيقة المجرّدة التي لا تكذب، ويضيف: الكاميرا سلاح ذو حدين يمكننا أن نستخدمها لغايات غير نبيلة، ويمكن أن تكون رمزاً للصدق، والقضية غير مرتبطة بالكاميرا والصورة، بل بمن يستخدمهما.
ويختم الفنان علي نفنوف حديثه عن أن تجربته مع فن التصوير الضوئي لا تشبه إلا ذاتها، لأن التصوير هو فن التحدّي،  فهو دائم السعي إلى تأسيس أنماط جديدة لفن التصوير من خلال ابتكار لقطات جديدة ومدروسة وأكثر استفزازاً للعين، مبتعداً عن اللقطات الكلاسيكية، متوجهاً إلى التشريح الجمالي للصورة والدخول إلى تفاصيل المشهد، وعدم الاكتفاء بمشاهد عمومية قد تبدو جميلة، وفي هذا المجال كان السعي لتأسيس مذاهب ومدارس جديدة في فن التصوير الضوئي.
رمضان إبراهيم