ثقافة

“الانتماء الاجتماعي والوطني” ودوره في بناء الإنسان

عندما ننظر لما حدث في بلادنا خلال أربع سنوات من محاولات لاستقطاب شريحة الشباب السوري ليكونوا أدوات تشارك في تدمير الوطن، تبرز وبشدة أهمية العمل على  تعميق مفهوم الانتماء للوطن ليصبح هو السائد، وبالتأكيد هذا مسؤولية مشتركة تبدأ من الأسرة ولا تنتهي في الجامعة، ونظراً لأهمية مفهوم الانتماء ودوره فقد كان موضوعاً للنقاش في الثلاثاء الاجتماعي الذي يقيمه قسم علم الاجتماع في كلية الآداب. وفي البداية قدمت د. أمل دكاك رئيسة قسم علم الاجتماع للمحاضرة فتحدثت عن أهمية زرع وتعميق مفهوم الانتماء للوطن في الأجيال مؤكدة على الدور المهم للمؤسسات التربوية كالمدرسة والجامعة في هذا المجال. ثم بدأ د.  محاضرته تحدث د. أحمد الأصفر عن عمق وتشعب أبعاد الأزمة التي نعيشها  سياسياً اقتصادياً اجتماعياً، وفي التركيز على البعد الاجتماعي أكد الأصفر أن الفرد لا يستطيع أن يعيش منعزلاً فهو بحاجة  للأخر وحتى في حال عدم وجود الآخر فإن الفرد يلجأ إلى إيجاد شخصية افتراضية يحاورها ويناقشها، وبالتأكيد يحتاج الفرد لجماعة يعيش معها ويأخذ منها مقومات حياته ووجوده، ويمكن القول أن العلاقة بين الفرد والجماعة تكاملية، فلا توجد جماعة دون أفراد وهي تحاول أن تكون مركز استقطاب  للأفراد، لأن قوة الجماعة بقوة أفرادها الذين يتباينون في مستويات وعيهم ومعارفهم، وبالتالي يتباينون في ارتباطهم بالجماعة، وغالباً ما يكون ارتباط الفرد بالجماعة قوياً بمقدار ما تقدمه هذه الجماعة من تحقيق لغاياته، وفي حال وجدت في المجتمع جماعات أخرى أكثر جاذبية تصبح مركز جذب للأشخاص ضعيفي الارتباط بجماعاتهم.
وتحدث الأصفر عن طبيعة المجتمع العربي الذي كان  يقوم على أساس القبائل حينما كان الارتباط يقوم على الدم، حينها كان الارتباط قوياً وكانت ذات الفرد تنصهر في الجماعة، وعندما ظهر الارتباط بالدين تم الانتقال من الارتباط بالدم إلى الارتباط بالعقل والفكر والعقيدة، ولو أحسن الارتباط بالمبدأ لفعل الدين فعله الحسن في المجتمع. لكن هذا الارتباط تشوه عندما جسد المبدأ بسلوك وتصرف، وأصبح هذا المفهوم يثير جدلاً كبيراً بين الناس. ورأى الأصفر أن المشكلة ظهرت في مجتمعاتنا في العصر الحديث، مع ظهور مفهوم الدولة الحديثة، إذ سعت الدول الغربية باستمرار إلى تنمية مجتمعاتنا العربية بانتماءات ما قبل الدولة بهدف عرقلة مسير الدولة، ومن ذلك طرح مفاهيم كثيرة. وأعطى الأصفر أمثلة عن دور الدول الغربية في هذا المجال كما حدث في لبنان من طرح لمفهوم الأقليات والتمثيل السياسي الذي يأخذ طابعاً دينياً طائفياً وكما فعلت أميركا بالعراق، وكل هذا يشكل عائقاً أمام قيام الدولة بمعناها الحديث وفي الوقت ذاته يتعامل المجتمع الأوربي مع مواطنيه بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والمذهبية، والمشكلة الأكبر أننا انسقنا مع المفاهيم التي زرعها الاستعمار، ومشكلتا حتى مع وجود مفهوم الدولة: فأي دولة نريد؟ تلك التي توحد بين الناس وتوفر كل احتياجاتهم، أم التي تجزئ المجتمع وتختزله في كتلة؟ الجواب يحتاج كما أجمع المداخلون على المحاضرة إلى أهمية ترسيخ الانتماء الوطني لدى الإنسان بدءاً من مرحلة الطفولة حتى يصبح قادراً على التعبير عن موقفه الإنساني والوطني من بلده ومجتمعه.
جلال نديم صالح