ثقافة

“حرف ومعلومة” جهود كبيرة وشوائب صغيرة

أمينة عباس
منذ سنواتها الأولى ودخولها مضمار الحضارة الإنسانية من أوسع أبوابه أخذت وسائل الإعلام على عاتقها مهمة نشر المعلومة الصحيحة بمختلف مناحيها من سياسية واقتصادية وثقافية، وأهم هذه المناحي تلك المرتبطة بنشر المعرفة والوعي بين عموم المتلقين بغية الارتقاء بمعارفهم العامة وثقافتهم ذات الطابع الشامل إيماناً من هذه الوسائل بأن نشر المعرفة بين الناس هو الدور الأكبر الذي يمكن أن تقوم به في مجتمعات ما زالت ترزح ربما حتى الآن تحت وطأة الجهل المرتبط بالمعلومة المضللة والتي لا تستند إلى أي سند علميّ أو معرفيّ موثوق أو حتى غير موثوق.
ولا شك أن وسائل الإعلام السورية، والتلفزيون في مقدمتها، قد أدركت هذه الحقيقة فكان السعي منذ البداية محموماً وراء تقديم المادة المعرفية الراقية للجمهور، ومن عايش مرحلة انفراد المحطات الأرضية بالبث التلفزيوني لا بد وأنه يتذكر بكثير من الحنين البرنامج العلمي “من الألف إلى الياء” الذي كان يعدّه ويقدمه الإعلامي موفق الخاني، هذا البرنامج الذي كان يجمع حوله مختلف الشرائح الاجتماعية والعمرية ليقدم لهم وجبة دسمة من المعرفة تساعد المتلقي على فهم أفضل للحياة وتضع بين يديه آخر أخبار الاكتشافات والاختراعات العلمية من خلال التناغم بين المادة العلمية المقروءة والمادة البصرية التي تناسب الموضوع المطروح على الرغم من صعوبة توفر المادة الفيلمية-البصرية في ذاك الوقت.
والواقع أنه منذ تلك الأيام وحتى يومنا هذا لم تغب المادة العلمية عن قنواتنا التلفزيونية فظهر العديد من البرامج التي حاولت أن تقدم لمشاهدها مادة علمية ذات طابع معرفيّ عام فنجح بعضها وأخفق البعض الآخر، وقد اعتمد الكثير من هذه البرامج على المعلومة السريعة والمختصرة والتي تقدم أكبر فائدة ممكنة في أقل وقت ممكن، ونذكر من هذه البرامج برنامج “حرف ومعلومة” من إعداد ميادة الخطيب والذي تبثّه هذه الأيام القناة الأولى الأرضية وهو يعتمد على تقديم معلومة سريعة تتعلق بشخصية تاريخية أو علمية أو أدبية فتقدم نبذة عن حياته وأهم الأعمال والإنجازات التي قدمها للبشرية، أو قد يلقي البرنامج الضوء على أحداث تاريخية أو مناطق جغرافية.. الخ وهو بذلك يقوم بجهد تثقيفي مشكور، لكن ما يمكن أن يؤخذ عليه وعلى العديد من البرامج المشابهة اعتماده أحياناً على إيراد معلومات تتعلق بأحداث تاريخية غير موثّقة ولا يوجد أي دليل ملموس على حدوثها كالحديث عن كوارث ألمّت بهذه المنطقة أو تلك في غابر الأزمان ولم يرد ذكرها إلا في الكتب المعتمدة على الأساطير والحكايات الشبيهة بحكايات “ألف ليلة وليلة” التي لا تعتمد على أي سند موثّق، كما يقدم البرنامج أحياناً معلومات عن شخصيات ذات قدرات خارقة واستثنائية لا تمت لعالم الواقع بصلة، ورد ذكرها في كتب مجهولة الكاتب ولا تعتمد على أي مصدر تاريخي سوى خيال كاتبها المجنح.. وبرغم ذلك لا يمكن إنكار الجهد المبذول الذي تبذله أسرة البرنامج للخروج بمادة علمية وفكرية وتثقيفية نتمنى أن تخلو من الشوائب التي أشرنا إليها حتى يغدو العمل متكاملاً وقادراً على الوصول لمبتغاه.