ثقافة

ملتقى الشيخ بدر للنحت في يومه الرابع عشر المنحوتات تقترب من أشكالها النهائية… والأهداف تحققت

اطلع الرفيق غسان أسعد، أمين فرع الحزب بطرطوس والسيد صفوان أبو سعدى محافظ طرطوس، على مراحل سير العمل في ملتقى النحت الأول الذي ترعاه وزارة الثقافة في مدينة الشيخ بدر، وأكدا خلال الزيارة ولقائهما الفنانين المشاركين في الملتقى على ضرورة قهر الفكر الظلامي الدخيل على أرضنا وثقافتنا ليس فقط بالرصاصة، وإنما بالقلم والفن والإبداع، لأن تشويه الحضارة وتشويه الإسلام كان على قائمة أهداف المخطط الإرهابي الذي يستهدف سورية لينال من صمودها. من هنا كان اختيار المقاومة كفكرة للملتقى لإثبات حقيقة أن الشعب السوري شعب حي، ولا يمكن لأي قوةٍ في العالم النيل من كرامته وعزته، مؤكدين في الوقت نفسه على أهمية استمرار هذه الملتقيات ووجوب دعمها رسمياً وشعبياً.
فيما يتواصل التفاعل والتلاقي بين النحاتين المشاركين في ملتقى النحت الأول في مدينة الشيخ بدر وأهالي المدينة، خاصةً الأطفال، إذ وصل حد إدمان بعضهم لمتابعة المنحوتة، وهي تتحول من حجرٍ أصم إلى لوحةٍ ناطقة ملازمة للفنانين يومياً لساعاتٍ وساعات، الأمر الذي يعطي دلالة حقيقية على أن الملتقى حقق غايته وهو يقترب رويداً رويداً من نهايته في الخامس عشر من الشهر الجاري في ساحة ضريح المجاهد الشيخ صالح العلي، حيث العمل جارٍ على قدمٍ وساق رغم الظروف المناخية الصعبة.

الفن والبندقية
“البعث” التقت النحاتين المشاركين في الملتقى فأعطى كلٌ انطباعه الخاص ورأيه ومشاعره بما أنجز وهو يرى المنحوتة تكبر أمام عينيه، لتشكل كائناً ناطقاً. فالفنان أكسم سلوم وهو ابن منطقة الشيخ بدر عبّر عن سعادته وهو يمارس المهنة التي يحب في مكان مقدس، أمام ضريحٍ يضم قامةً وطنية سورية أقر لها العدو قبل الصديق بحب الوطن، وهذا ما أعطاه الانطباع بضرورة وقوفه جنباً إلى جنب مع الجندي الذي يدافع عن حياض الوطن بسلاحه، فكما البندقية تحمي الحدود كذلك الفن يوحي بالحياة، وبمجرد أن يخلق الفنان شيئا جديدا فهذا يعطي الناس الإحساس بالأمان، وبالتالي هو نوع من التحدي والمقاومة، ووصف سلوم تفاعل الناس معهم بالرائع خاصة الأطفال منهم، فهكذا ملتقيات من شأنها أن تزرع بذرة عند كل طفل موهوب لتوقظ بداخله روح الفنان. أما الفنان أُبيّ حاطوم ابن مدينة اللاذقية فأطلق على منحوتته اسم (حارس المدينة) وهي عبارة عن فارس يحمل رمحاً وترساً في إشارة الى المقاومة والصمود، وبسؤاله عما حققت له هذه المشاركة من إضافة على الصعيدين الشخصي والفني أكد أنها فتحت له الباب واسعاً أمام مزيدٍ من الرؤى، وأطلعته على ثقافةٍ جديدة من خلال التلاقي والتفاعل المباشر مع الجمهور أولاً ومع  الفنانين المشاركين ثانياً، إضافةً لكون الملتقى وقبل كل شيء شكل هروباً من حالة الروتين اليومي الذي يعيشه النحات في مشغله بعيداً عن التواصل مع الجمهور، هذا عدا عن أن النحات لا يستطيع التعامل في مشغله مع كتلة حجرية كبيرة ويحتاج مكاناً عاماً تتأمن فيه كل الأدوات كما هو الحال في هذا الملتقى. وعن منحوتته (كسر الطوق) استرسل الفنان علاء محمد في شرحٍ مفصّل لرموزها وأبعادها فهي عبارة عن مجموعة أشخاص يمثلون بيئة حاضنة للفكر منطلقين نحو الشمس بفكرهم ووعيهم وإدراكهم لهويتهم، منطلقين من أن العلم والثقافة هما أساس بناء أي مجتمع، وعن إحساسه الشخصي وما تعنيه له هذا المناسبة خاصة وأنه ابن قرية لا تبعد إلا أمتاراً عن موقع الضريح تحدث محمد بأنه ومنذ الصغر كان يحلم بأن تكون له بصمة يضيف من خلالها شيئاً ما إلى هذا المكان الذي يخبئ في طياته هالةً من القداسة كونه ابن هذه البيئة من جهة، ولخصوصية المكان كونه أحد أهم معاقل الثورة السورية الكبرى والمقاومة السورية ضد الاحتلال بكل أشكاله من جهة ثانية. وما كانت لتسنح له الفرصة لولا هذا الملتقى الذي أتاح للفنانين المشاركين فرصةً للتلاقح الفكري وتبادل الخبرات والثقافات، فالعمل الجماعي يوّلد لدى الآخر انطباعاً بديمومة الأعمال الجماعية الناجحة التي من خلالها يتم التأسيس لفكرة مجتمع حضاري مبني على تاريخ أصيل. وقال فؤاد أبو عساف القادم من السويداء: لقد شعرنا خلال تواجدنا في محافظة طرطوس كأننا نعيش الواقع الاجتماعي والجغرافي والحياتي اليومي في السويداء، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على وحدة الشعب السوري وتحليه بذات الخصال كالطيبة والكرم، وما لمسناه خلال وجودنا هنا من محبة وإكبار من أبناء المنطقة لرجالات سورية العظماء كإبراهيم هنانو وسلطان باشا الاطرش، يعزز لدينا الثقة بأن سورية كانت وستبقى المثال الحي للعيش المشترك، فمشاعر المحبة لهؤلاء القادة لا تختلف أبداً عما هي عليه في المناطق التي ولدوا فيها، وهو بالضبط ما شعرنا به ونحن نقف أمام هذه القلعة الراسخة من قلاع المقاومة مسقط رأس المجاهد الكبير الشيخ صالح العلي. ويرى أبو عساف أن أهمية الملتقى تكمن في طرحه لفكرة المقاومة التي تُشعر الفنان أن ما يقدمه هو رد للجميل – وإن كان لا يذكر– لقاماتٍ وطنية ساهمت في رسم مستقبل سورية وتحريرها من تبعات الاحتلال للأجنبي.

امتداد الحضارات
و أكد النحات عيسى سلامة وهو يضع اللمسات الأخيرة لمنحوتة تجسد المجاهد الشيخ صالح العلي ومن حوله رفاقه المجاهدون وهم يخوضون إحدى معارك الشرف ضد المستعمر الفرنسي، بأن اختياره لهذا الموضوع كان لعدة أسباب أهمها توجيه كلمة للعالم أجمع بأننا كسوريين وبمختلف أطيافنا وتوجهاتنا مستمرون بالعطاء والفن والمقاومة لأن الفن هو من يصنع الحضارات ويغذي ثقافات الأمم، وتمنى على مختلف الجهات الرسمية والاجتماعية في مختلف المحافظات السورية دعم هذه الفعاليات حتى تتحول مدننا إلى متاحف مفتوحة في الهواء الطلق، لكي نتمكن على أقل تقدير من مجاراة سكان المنطقة الأصليين الذين سكنوا هذه البلاد قبل آلاف السنوات من فينيقيين وكلدانيين وآشوريين وغيرهم.
وقال علي سليمان: منحوتتي تمثل انطلاقة من التاريخ نحو المستقبل، وتمثل جندياً سورياً للتأكيد على أهمية تضحيات أبناء الشعب السوري في صنع مستقبلهم، أي التأكيد على ثنائية القوة والعلم، وأضاف بأن أكثر ما لفت انتباهه كان تفاعل الناس بجميع شرائحهم، وهذا يظهر مدى اهتمام أبناء المنطقة بالثقافة، وتعطشهم لهذا النوع من الفن الذي لا تتسنى لهم مشاهدته إلا في المتاحف، وهذا سيؤدي بالضرورة إلى رفع الذائقة البصرية عند الناس وهم يشاهدون العمل الفني يولد لحظة بلحظة، وأشار سليمان إلى أن الطفل عندما يتفاعل مع الحجر المنحوت يصبح تفاعله مع الشجرة والزهرة أكبر بكثير، ويعلّمه ذلك كيف يحب البيئة التي يعيش فيها.
أما هادي عبيد الذي جاء من عاصمة الأمويين دمشق ليهدي منحوتته التي جسدت شخصية مقاوم، فتلتف من حوله طيور سلام ورأس حصان يعبّر عن العزة والكرامة، إلى شيخ المجاهدين صالح العلي، فأبدى سعادة غامرة لما لمسه من حب ومودة وتفاعل كان له عميق الأثر في نفسه، ورسّخ لديه القناعة بأن شعباً كهذا لا يمكن لأية قوة على الأرض أن تنال من وحدته وصموده، ونفى أي شعور بالغربة ببعده عن عائلته، بل على العكس تعزز لديه الشعور بأن سورية هي للجميع، كما هو الفن والنحت للجميع.
وشارك الفنان محمد بعجانو الذي أتى من عروس الساحل السوري اللاذقية بعمل أسماه (النسر السوري)، مدللاً بما يعنيه رمز النسر للسوريين، ومدى تقديرهم وحبهم لهذا الشعار الذي يوضع على شارة ورتبة كل ضابط وجندي، لأن عطاء هؤلاء لا يضاهيه عطاء، وبالتالي هي إشارة إلى العطاء الإنساني بمجمله، ورأى أنه من واجب الفنان، كونه ابن الحياة، أن يقدم للحياة، كغيره من أبناء المجتمع، خبزه اليومي الذي يغذي الروح، فالفنان والشاعر والفلاح، كلاً حسب موقعه، هو رديف للجندي الذي يدافع بدمه وروحه عن تراب الوطن كي تستمر الحياة، ويستمر الفن والثقافة، وننتصر على أعداء الحياة والإنسان، ومن مدينة الياسمين دمشق أتى الفنان وضاح سلامة ليهدي أبناء منطقة الشيخ بدر عمله النحتي (نسر الشيخ بدر)، في إشارة إلى المجاهد الشيخ صالح العلي، وبمعرض حديثه عن هذا العمل قال: لقد جعلت من جسم النسر قارباً فينيقياً لأدلل على حضارة سورية، ومن رأسه رأس جندي لأقول: إن حماة الديار هم أنفسهم حماة الحضارة، كما حاولت إضافة عدة رموز جمعتها بشكل متقن لتشكل كتلة في الفراغ، وعن شعوره الشخصي ورأيه بما يجري أضاف: لمست في هذه المدينة طيبة وكرم أهلها، وشعرت فعلاً كأنني في بيتي وبين أهلي، وهذا ما أعاد لي اليقين بأن سورية التي عشنا بها وعشقناها جميعاً تستحق منا كل التضحيات، ويرى سلامة في الملتقى فرصة ذهبية لعيش حالة المواطنة التي افتقدها الكثير من السوريين خلال الأزمة لما فرضه الإرهاب من قطع للأوصال بين محافظات القطر، فالتنقل من محافظة لأخرى يعطي الشعور بعودة الثقة والأمان والطمأنينة إلى النفوس، إضافة لكونه يخلق علاقة حميمة بين النحات والمنحوتة من جهة، وبينها وبين المتلقي من جهة ثانية، ويعزز التفاعل الإيجابي، ويقضي على الحالات السلبية في المجتمع، وبسؤاله عما واجههم من صعوبات خلال العمل، أكد أن الأمور سارت على خير ما يرام  باستثناء الظروف المناخية التي كانت قاسية خاصة خلال الأيام الأولى للعمل.
وبلسان أهل المنطقة تحدث السيد عصام يوسف قائلاً: نحن ندعم وبقوة هذا الملتقى، وندعو جميع الفعاليات الاقتصادية والأهلية في مدينة الشيخ بدر إلى تخصيص رواتب شهرية للنحاتين المشاركين ليكونوا قادرين على الاستمرار في العمل حتى تتحول معظم شوارع مدينة الشيخ بدر إلى متحف كبير، خاصة بعد أن لمسنا الحركة التجارية والسياحية النشطة التي نعمت بها المنطقة، بينما لم يمض على انطلاق الملتقى أكثر من 10 أيام، هذا إضافة لكونه يغني الحالة الثقافية، وينعش السياحة والاقتصاد، ومن شأنه أن يعطي تميزاً لضريح مجاهد أطلق مع رفاقه المجاهدين شرارة الثورة السورية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي، لتكون الشيخ بدر، كما كانت، قبلة للمقاومة، قبلة للفن والثقافة.
وفي النهاية كانت لنا وقفة مع مدير الملتقى الفنان أكثم عبد الحميد الذي تحدث بمنتهى العفوية عن شعوره وشعور زملائه الغامر بالفرح لوجودهم في مدينة الشيخ بدر، وما لمسوه من محبة واهتمام ومتابعة على مدار الساعة لمراحل تطور العمل النحتي، والحوارات البناءة التي شملت مختلف مناحي الحياة، وكيف تقاسموا همومهم وتطلعاتهم مع الفنانين المشاركين والمواطنين، فكان لذلك عميق الأثر في خلق رؤية بصرية تعبّر عن هذه الأحاسيس والمشاعر الصادقة، وأوضح عبد الحميد أن هذه الفرصة سمحت لهم باكتشاف المنطقة ثقافياً، واجتماعياً، إضافة لتمتعهم بطبيعتها الخلابة، حيث سنحت الفرصة للجمهور للتعرف على هذا الفن الخالد، وأعطت كذلك الفرصة للفنانين المشاركين للتلاقي فيما بينهم من جهة، والتعرف على ثقافة جديدة من جهة أخرى، وعن الصعوبات التي واجهتهم أكد أنه ما عدا الظروف الجوية كالبرد والمطر، لم يكن هناك ما يزعجهم، إلا أنه ورغم هذه الظروف لا يسعهم إلا العمل، وتقديم ما يليق بهذه المنطقة، وبهذه القامة الجهادية الكبيرة بأسمائهم كفنانين، وأضاف عبد الحميد بأن الأزمة والتدمير الكبير الذي لحق بالآثار السورية بهدف طمس الهوية السورية والتراث السوري، أعطاهم حافزاً كبيراً للإنتاج والعمل، داعياً إلى تعميم هذه الملتقيات لتشمل مختلف محافظات القطر، لأن هذا بحد ذاته مواجهة للفكر التكفيري، وإثبات حضور للهوية الثقافية السورية، والإنسان السوري.
طرطوس –روبيل صبح