ثقافة

«سورية.. جسر المحبة» في ملتقى التصوير الزيتي الرابع

صدّرت سورية الفن والعلم والجمال للعالم منذ ما قبل التاريخ، هي منبع الفن الحقيقي الذي انتشر في العالم، والكثير من الفنانين العالميين استقوا فنها وحضارتها القديمة، وأخذوا رموزها وأدخلوها في لوحاتهم، والفنان السوري بيّن هذه الحضارة، وله دور كبير في نشرها وتطويرها واستمرارها، وسورية عبر التاريخ هي السبّاقة في كل شيء، وهي من صدّرت الأبجدية للعالم، ومن هذا المنطلق نصف سورية بمجمع للمحبة والسلام، والاسم جاء من هذا المنطلق لتقديم ملتقى التصوير الزيتي الرابع الذي أقيم مؤخراً في قلعة دمشق بمشاركة اثني عشر فناناً تشكيلياً من أهم التشكيليين السوريين، بتجاربهم الفنية، وحضورهم الثقافي والفني في الحياة السورية وهم: الياس زيات، خالد المز، نزار صابور، لجينة الأصيل، ناثر الحسني، أسعد فرزات، محمود جوابرة، علي حسين، عدنان حميدة، أكسم طلاع، غادة حداد، وعمران يونس.
تأتي أهمية الملتقى من إتاحة الفرصة للفنانين المشاركين للالتقاء وتبادل الحوار والخبرات الفنية بعد غياب لفترة، وهذا ما أكده مدير الفنون الجميلة عماد الدين كسحوت في لقاء مع البعث، إذ قال: يقام الملتقى تحت رعاية وزير الثقافة الأستاذ عصام خليل، وبتنظيم مديرية الفنون الجميلة بالتعاون مع المعهد التقاني للفنون التطبيقية بعنوان: “سورية.. جسر المحبة”، وتتم دعوة فنانين سوريين من كل الشرائح والمحافظات السورية في قلعة دمشق- قاعة العرش- الرمز التاريخي في سورية، وفي ختام الملتقى سيكون المعرض (اليوم)، بالإضافة إلى توزيع شهادات، وحفل اختتام رسمي.
ويضيف: تدعم وزارة الثقافة الفنانين من خلال تأمين مستلزمات العمل، والمكان، والدعم المادي، وتعتبر المشاركة في هذه الظروف مهمة جداً لأن الفنان يعكس الحالة العامة على اللوحة بطريقته وأسلوبه، ومن بين 12 فناناً، هناك عدد مهم من اللوحات، وكل لوحة تعبّر عن ضمير الفنان، ونحن في هذه الملتقيات نؤكد على تواجد الفنانين الشباب ليكونوا رافداً مهماً للحركة التشكيلية السورية في المستقبل لإغناء الثقافة البصرية في سورية، حيث تقدم وزارة الثقافة الدعم لخلق حوار ثقافي مهم بين الفنانين، فالفنان في مرسمه يرسم اللوحة ضمن حالة معينة، ولكن في الملتقيات يعمل في الطبيعة والهواء الطلق، ويخلق حواراً ثقافياً بينه وبين الفنانين الآخرين، والطلاب، والجمهور، فعندما ترى العين كيفية بناء اللوحة وولادتها وانتهائها، يولد عند المشاهد الذوق البصري، والناس من خلال الملتقيات يمكن أن يروا شيئاً جميلاً، ومن يتذوق الفن يبن، ويقدم شيئاً جميلاً، وهدفنا من هذه الملتقيات نشر هذه الثقافة بين الناس ليشاهدوها باستمرار.
إثبات وجود بالفن
من جهته عبّر طلال بيطار، مدير المعهد التقاني للفنون التطبيقية، عن رأيه بالملتقى قائلاً: يضم هذا الملتقى أهم الفنانين المتبقين على الساحة السورية والعربية والعالمية، وبالنسبة للمعهد ومشاركته في الملتقى فلكي يستطيع طلاب المعهد التقاني للفنون التطبيقية التواصل مع هؤلاء الفنانين الكبار، ويتعرفون على تقنيات التصوير عن قرب، بالإضافة إلى مدرسة كل فنان، وطريقة عمله وأسلوبه، فهذا التواصل يساهم في رفع مستوى الطالب الفني واهتمامه في المعهد.
ويضيف بيطار: في الواقع، هذه ليست التجربة الأولى، وهي مستمرة كل عام، والتغيير الوحيد الذي يطرأ هو الطلاب، وطريقة عرض أعمال الفنان، هذه الملتقيات تشكّل جسور المحبة فهي موجودة دائماً ليقوم الفنان بطرح أفكاره ورؤيته الفنية الجديدة وأسلوب عمله، أي أنه ملتقى نابع من محبة المشاركين وانتمائهم لبلدهم في هذه الأزمة، ويحاول الفنان اليوم محاربتها بريشته وفنه، فهو قد صمم على البقاء في هذا البلد المعطاء، ليثبت أنه ابن بلد حقيقي، وليقدم تجاربه، ويثبت وجوده على الساحة المحلية والخارجية، ويؤكد أنه لن يكون هناك أي تغيير لأي رؤى تجاه بلدهم.
صراع الإنسان
ويرى الفنان التشكيلي محمود الجوابرة أن سورية كانت ولاتزال جسراً للمحبة، وحتى لو عدنا للتاريخ القديم نجد أن العنوان العريض لكل من يسعى لتكريس حالة ثقافية هو أن سورية مهد الحضارات، وجسر للعبور إلى المحبة التي تعتبر أعظم قيمة إنسانية سعت إليها كل الديانات السماوية، ومن المؤكد أن تزول كل الشرور التي يفكر فيها الإنسان على الرغم من أنه يمتلك ناصيتين في شخصيته: الخير المتمثل بالمحبة، والشر المتمثل بكل المفاهيم المسيئة إلى الحياة برمتها، إلا أن سورية في الواقع هي جسر العبور باتجاه المحبة.
وشكر رئيس فرع درعا لاتحاد الفنانين التشكيليين الجوابرة مديرية الفنون الجميلة على هذا التقليد الذي أصبح سنوياً، وأكد أن الملتقى شكّل حالة تناقل وتواصل ثقافي تمت بين الفنانين، أصحاب التجارب المميزة والمعروفة على ساحة التشكيل السوري، ومسألة الإبداع لم تقتصر على تقديم فكرة فقط، وإنما مست مرحلة التقنية والتكنيك التي يتم الكشف عنها من خلال التعرف على طريقة فن وأسلوب استخدام اللون ومفردات الفن التشكيلي، بدءاً من الريشة وتأسيس اللوحة عن طريق التواصل مع الزملاء في هذه الملتقيات، وأنا شخصياً، وخلال تواجدي معهم في مكان واحد، تعرفت على طرق شتى يعمل بها كل فنان، فهذه الأمور أضافت لي معرفة وثقافة أستفيد منها في تجاربي.
وعن لوحاته، يقول التشكيلي الجوابرة: في الملتقى، قدمت الواقع بحيثياته عبر لوحتين، وليس من الضرورة أن أعكس مشاعري من خلال هذه الفوضى التي نراها في عالمنا الحالي المليء بالشرور، فقد وجدت أن الإنسان رغم دخوله في القرن الـ 21، ومروره بفترات متعددة من ارتقاء الفكر وعصر التكنولوجيا، إلا أن عواطفه وصراعه لم ينته حتى الآن، وأنه لم ينفصل عن حيواناته، ويسير معها جنباً إلى جنب، وتمثل بهذه النزعة الحيوانية وسلوكه وانعكست عليه، وخاصة في هذه الفترة.. في الواقع، استخدمت في لوحتي الإنسان الذي أعتبره ضحية، والثور الرمز التاريخي الذي يمثل القوة والخصوبة، وفي الوقت نفسه أضفت للإنسان قروناً مرة طبيعية ومرة أخرى مكسرة من شدة الصراع والنزاع الحاصل، لقد وجدت أن الكثير من البشر يمتلكون “قروناً”، ويناطحون بها أكثر من التي يستخدمها الثور، فهو منفلت من عقاله وسلوكه اللاعقلاني، وأنا عبّرت عن نفسي كشاهد على ما يجري من خلال هذه اللوحة.
“حبل بلا ولادة”
وأثناء لقائنا بالفنانة التشكيلية غادة حداد، كانت فتاة تسألها: ألم تلد المرأة في لوحتك بعد؟ فأجابتها: لوحتي لن تلد أبداً، هي “حبل بلا ولادة”، وأحبت أن يكون مشروعها في هذا الملتقى عن “الأم”، فتقول: الأم حزينة وباكية ومجروحة بسبب فقدانها أولادها، ولكن رغم كل الحزن أحببت أن أضيء على الجانب المشرق من هذا الوضع، حيث جسدت الأمل، فالأم ليست دائماً مخاضاً وألماً وموتاً، وإنما هي التي تعطي الحياة أيضاً، وقد تطرقت في لوحتين عنها باستخدام ألوان الحياة والموت معاً، وتضيف حداد: هذا الملتقى يمثّل حالة جسر، ومكاناً مشتركاً للفنانين لتبادل الأفكار والعيش مع بعضهم للتأكيد على أن سورية ستعيش ولن تموت أبداً، فهي أمنا، والحضارة والتراث والعراقة، ودائماً جسر للمحبة.
رسالة مصدرة
وفي نهاية الملتقى كانت لـ “البعث” وقفة مع الناقد التشكيلي عمار حسن فيقول: في الوقت الراهن، من المهم أن تكون هناك نشاطات تؤكد على حيوية الفنان السوري وتفاعله، وأن الموت لن يوقف الجمال والفن في سورية، وهذه الرسالة لها أكثر من بعد، فهي على الدوام منارة، وأكثر من جسر ومركز إشعاع وتبادل الجمال بين هذا المكان وبقية الأمكنة، ويضيف: كل فنان قدم تجربته وخصوصية رؤيته في هذا الملتقى، وأكدوا على تنوع الرؤى من خلال الشمولية، والإحاطة المعرفية، والخصوصيات الفردية، وفي النهاية ظهرت اللوحات مترجمة بعدة طرق كالحمل والولادة، إشارة إلى غد أجمل، والخط، والسلام، والخير والشر، وأكد كل فنان من خلال لوحته ارتباطه بسورية، وصدّر رسالة للآخر، وتنوعت الرسائل، ومجموعها يؤكد مجموع الصورة.
جمان بركات