ثقافة

ورشة عمل: “مشكلات الطفولة في سورية اليوم”.. تؤكد أهمية حقوق الطفل في ظل الأزمة ..

“مشكلات الطفولة في سورية اليوم” عنوان كبير يختزل في كلماته واقعاً مريراً، ويلخص حال الطفل السوري اليوم في ظل الحرب التي غرست براثن حقدها في أجساد أطفالنا، وشوهت معاني الطفولة، فكم من طفل تحول اليوم إلى متسول أو بائع تبغ أو خبز في أفضل الأحوال، وإلى لص أو ضحية لتجارة الأعضاء أو حامل للسلاح يمارس القتل. مشكلات ربما كان بعضها موجوداً في مجتمعنا، لكن ظروف الأزمة بأبعادها وتشعباتها عمقتها، وخلقت بالتأكيد مشكلات جديدة. كل ذلك يستدعي وقفة جادة ومتأنية من قبل ذوي الشأن والاختصاص، لوضع اليد على الجرح واقتراح الحلول لمشكلات ربما لم تعد حلول الأمس ناجعة معها. من هنا كانت ورشة العمل التي أقامها قسم علم الاجتماع في كلية الآداب تحت عنوان “مشكلات الطفولة في سورية” والتي بدأتها د. أمل دكاك رئيسة قسم علم الاجتماع بمقولة  “همّنا هذه الأجيال”  للقائد الخالد حافظ الأسد، الذي كان دائم التفكير بمستقبل أجيال سورية والوطن العربي، وكأنه يستشرف المستقبل لما أتى لاحقاً، وبالتأكيد كان لبدء الورشة بمقطوعة موسيقية على آلة الكمان، وأغنية من أداء الطفلة آية صالح خصوصية كبيرة، والأجمل كان حضور رئيس جامعة دمشق د. محمد حسان الكردي لافتتاح النشاط وتأكيده على الأهمية الثقافية والتربوية للنشاطات التي تقيمها جامعة دمشق.
بداية أعمال الورشة كانت بكلمة د. خالد الحلبوني عميد كلية الآداب في جامعة دمشق الذي تحدث عن دور وأهمية كلية الآداب كأحد أعرق الكليات العلمية في جامعة دمشق، باعتبارها صرحاً حضارياً ثقافياً أصيلاً وقمة شامخة من قمم البحث العلمي، مؤكداً على دورها في رعاية وتبني الكتابة الإبداعية المميزة من خلال الرسالة الإنسانية المنوطة بها، حيث شكلت مشهداً فاعلاً، وحملت عبر سنوات تأسيسها فكراً صحح الاتجاهات وقوّم الأفكار، وتعليماً آثاره ماثلة في الأجيال المتخرجة تأليفاً وتدريساً، وكل ذلك دليل على أن هذه الكلية تنبض بالحياة وتهب خلاصة العلم والفكر الأصيل. وتمنى الحلبوني في نهاية كلمته النجاح لورشة العمل وتحقيق الفائدة المرجوة من إقامتها.

صعوبات ومشكلات
بدورها تحدثت رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان هديل الأسمر عن الصعوبات والمشكلات التي يتعرض لها الأطفال، كون التربية غالباً ما تقوم على أساس الموروث الثقافي، مما يجعل الأهل يرتكبون العديد من الأخطاء خلال التربية والتنشئة. ورأت الأسمر أنه وبعد تنامي الوعي باتجاه التربية السليمة خصوصاً بعد صدور اتفاقيات حقوق الطفل، أصبحت مناهضة العنف ضد الطفل عملاً ممنهجاً تقوم به المؤسسات المعنية بهذا الشأن، واعتبرت الأسمر أن ورشة اليوم في ظل الظروف التي نعيشها في غاية الأهمية نظراً للمشكلات التي يعيشها الطفل من عنف وتشوه وإعاقة، وتسرب من المدارس وزيادة نسبة الزواج المبكر وعمالة الأطفال. من هنا لابد للمؤسسات التربوية أن تأخذ دورها وتعمل على تعزيز التعاون فيما بينها في سبيل الحد من العنف وتحقيق الإجراءات الكفيلة بحماية الأطفال خصوصاً أثناء الأزمات.

عنف أسري
وضمن فعاليات الورشة تمت مناقشة أربعة محاور حمل الأول عنوان “العنف الأسري ضد الطفل” تحدث فيه كل من د. ليلى داود، ود. أحمد الأصفر وأدار الحوار د. محمد العبد الله. حيث ركزت داود في مداخلتها على البعد النفسي ودور الأسرة في العنف الموجه ضد الطفل، مؤكدة أنه لا يمكن الفصل بين البعدين النفسي والاجتماعي، وأنه في ظل ظروف العنف الراهنة التي يعيشها المجتمع السوري، وتنامي الحرب وما تحمله من أعمال عدوانية وتدمير للقيم الإنسانية الأطفال هم الأكثر تأثراً، كما تحدثت عن معنى العنف الأسري من خلال عدة آراء، لتقدمه في النهاية باعتباره يتضمن جميع الأنماط السلوكية نحو الطفل، إضافة للظروف المحيطة بالأسرة والتي تمنعهم من تلبية حاجاتهم وتعيق نموهم، وهنا ذكرت نوعين من العنف: المقصود وغير المقصود. كما تحدثت عن دور الأسرة باعتبارها المرجعية للطفل. وركزت على ضرورة الاهتمام بالأسرة وحماية الطفل وهنا يأتي دور شؤون الأسرة والاتحاد النسائي والجمعيات الأهلية.

إعلام معادٍ
بدوره أكد د. أحمد الأصفر أن الأسرة هي الوسيط بين الطفل والمجتمع، فلا يمكن فهم سلوك الأسرة بمعزل عن البيئة التي تعيشها، معتبراً أن كل مرحلة تنتج حاجات معينة مرتبطة بتطور المجتمع. وعن آلية تعلم الأسرة أساليب التعامل مع الطفل رأى الاصفر أن المجتمع عبر التاريخ يضم مراكز قوى يندمج فيها الأفراد وتشكل مرجعيته. وفي ضوء ذلك  فإن العنف الأسري ليس نتاج الأسرة بشكل مباشر، بل نتاج الجماعات التي تنتمي إليها الأسرة وطرق تفكيرها. وشدد الأصفر على أن الإعلام الغربي المعادي منذ بداية الأزمة ركز على توسيع الفجوة بين مكونات المجتمع السوري، وتعزيز ثقافة اختزال الكل في جزء، كاختزال العقيدة في دين معين ورفض الآخرين، كما تحدث عن مشكلات تعاني منها مؤسساتنا.

الطفل والإعلام
أما المحور الثاني فحمل عنوان “علاقة الطفل بالأقنية الإعلامية” وبدأت الحديث فيه د. أمل دكاك فتحدثت عن دور وسائل الإعلام وانتشارها في العصر الراهن وتأثيرها الكبير إلى جانب مؤسسات التنشئة الأخرى، على تنشئة الأطفال في المجالين العلمي والإنساني وتناولت التلفاز كأحد الأمثلة عن دور تلك الوسائل، مؤكدة أنه لا يمكن لأحد أن يتجاهل دوره باعتباره أداة من أدوات التنشئة، وقد ضاعفت من أهميته تقنيات وسائل الاتصال والكم الكبير من المحطات. وأشارت دكاك إلى أن التلفاز وغيره قد يتحول إلى أدوات ضارة وخطرة. وطرحت عدة قضايا تتعلق بالثقافة المقدمة للطفل من خلال التلفزيون، ودور الأسرة في الحد من المضامين المقدمة، مؤكدة أن الطفل لا يتابع فقط المحطات المخصصة له، بل يرى ما يراه الكبار وبعض المحطات تقدم الأفلام المستوردة التي تشوه صورة العرب وتدفع للعنف ويصبح بعض أبطالها السيئين قدوة للطفل. وهي أفلام صدرت خصيصاً للعالم النامي ومنه العربي. كما أشارت دكاك إلى افتقار الفضائيات العربية إلى الكاتب الملم بعلم نفس الطفل وإلى المخرج والمعد. وأعطت مثالاً عن البرامج المتميزة كبرنامج “افتح يا سمسم” الذي كان له دور تربوي وتعليمي مهم، وتساءلت باستغراب عن عجز الفضائيات العربية بإمكاناتها عن إنتاج برامج مشابهة موجهة للطفل، وفي ظل ما سبق أكدت دكاك أن الحل يحتاج إلى جهود مخلصة وحس تجاه الطفولة لبناء الوطن، ولبرامج يشارك فيها خبراء نفس وإعلام للنهوض ببرامج الأطفال.

خطورة البرامج
وأشار د. أديب عقيل إلى حالة العزوف عن القراءة وحالات القلق والفوضى عند الطلاب والشباب وانتشار ظاهرة العدوان والبلطجة. كما تحدث عن إشكالية امتلاك وتمويل معظم وسائل الاتصال الحديثة من قبل الصهاينة والشركات الرأسمالية، ونبه عقيل إلى خطورة البرامج الموجهة إلى منطقتنا والتي تهدف إلى إفساد الجيل من خلال برامج مشوهة لا تتناسب مع ثقافتنا، وتشجع على العنف وصرف النظر عن القضايا الجوهرية وعدم الاستقرار داخل الأسرة. ومن التوصيات التي اقترحها عقيل الحد من الفوضى الإعلامية وخلق برامج إبداعية تتناسب مع واقعنا بإشراف خبراء نفسيين واجتماعيين.

عصر الاختراق
ولم يتردد د. بطرس حلاق عميد كلية الإعلام في القول بأن التوصيات فيما يخص وسائل الإعلام والعنف عند الأطفال تبدأ من الأسرة وتنتهي عندها، وعلى الرغم من أننا نتهرب كآباء لنطلب من مؤسسات أخرى التصدي لوسائل الإعلام التي أصبحت ظاهرة لا يمكن تجاهل تأثيرها، إلا أن المسؤولية تقع على عاتق الأسرة التي يجب أن تقف في وجه هيمنة التكنولوجيا وتطورها، فالأسرة التي كان الفرد يحيا قديماً في كنفها وضمن تأثيراتها تعيش اليوم عصر الاختراق، حيث تم اختراق الأسرة والفرد والمؤسسات لصالح الإعلام الذي أصبح شريكاً في التربية. وشدد حلاق على أهمية فهم طبيعة وسائل الإعلام فهي ليست مؤسسات تربوية ثقافية، بل هي مؤسسات ربحية ومؤخراً تحولت إلى سياسية عسكرية، مؤكداً أنه من الصعوبة أن نمنع تدفق الإعلام، وعلينا أن نتأقلم مع هذه الوسائل مع الاستمرار بمراقبة تأثيرها على الأطفال، وأوضح حلاق أن الأعلام سلاح ذو حدين فهو من جهة المسؤول عن تزييف الوعي لدى الأطفال، وعن حالة الإحباط وتعطيل ملكة الخيال وغيرها، ومن جهة أخرى هو المسؤول عن غرس القيم الاجتماعية وتعزيز القيم الوطنية والتزود بالمعلومات.

خرق لحقوق الطفل
أما المحور الثالث فتضمن موضوع “حقوق الأطفال في الأزمة السورية” وأكد فيه الدكتور حاتم بيات عميد كلية الحقوق أن للطفل مجموعة حقوق هي  الحق في الحياة، التعليم، التربية، التنمية وغيرها. والمجتمع يوافق على أن الطفل يجب أن ينشأ سليماً على أساس من الحب والتفاهم والسعادة والرعاية الكاملة، وهذا ما أكدت عليه المواثيق الدولية والقوانين المحلية مشيراً إلى أنه في سورية توجد مؤسسات ذات طابع حكومي لرعاية الطفل والاهتمام بشؤونه، معرباً عن قلقه من الأخطار التي يعانيها أطفال سورية في ظل الظروف الحالية، فيد الغدر والإرهاب طالتهم أيضاً، منوهاً إلى أن المحافل الدولية التي اعترفت ذاتها بأكثر من مناسبة بحقوق الطفل هي التي قامت بخرق هذه الحقوق، في الوقت الذي تجب فيه رعاية الطفل وحماية وجوده بين عائلته.

قضايا ملحة
من جانبها تحدثت الدكتورة إسعاف حمد عن اتفاقية حقوق الطفل التي تتضمن مجموعة معايير والتزامات متفق عليها عالمياً وغير قابلة للتفاوض، وتحدد الحد الأدنى من الحقوق التي يجب تحقيقها والتي تنطبق على كل البشر، وتعتبر الصك الأول الذي يضم حقوق الطفل العربي كاملة، وكانت سورية من أوائل الدول التي صادقت عليها والاتفاقية تحمي حقوق الطفل من خلال معايير خاصة بالحقوق المدنية والقانونية وبالصحة والتعليم، ولفتت حمد إلى أن الحرب تركت آثارها على حياة الطفل كلها من الصحة إلى الوضع المعيشي، علاوة على حصد الأرواح والإعاقات الجسدية، لذلك فإن الآثار النفسية أصابت جيلاً كاملاً، ومن بين القضايا الملحة ظهرت أيضاً قضية انعدام الجنسية التي تواجه الطفل السوري، وقضية زواج القاصرات السوريات.
واقع التعليم
وفي المحور الأخير تناول الدكتور بلال عرابي واقع التعليم في سورية في السنوات السابقة للأزمة وفي ظلها من خلال فهم شكل التعليم وبنيته العامة في سورية. وذكر عرابي مجموعة من المشكلات التي تواجه التعليم، كمشكلة الأمية التي تزداد نسبتها في ظل الأزمة ومشكلة الدوام النصفي وقلة الإنفاق على التعليم، فعلينا أن ندرك أنه كلما زاد حجم الإنفاق قل التطرف والتجنيد، مركزاً على تسرب الطلاب بوصفه أخطر ما يواجه التعليم كوسيلة للتجنيد، وهو مؤشر للبطالة والتخلف وتحجيم دور المرأة وإنجاب المزيد من الأطفال غير المتعلمين. وأكد عرابي ضرورة التعاون بين وزارتي التربية والأوقاف للدعوة إلى التعليم ومراجعة محتوى المنهاج الدراسي، لأنه بعيد عن متطلبات الطالب، وأن توضع مناهج تتناول أبعاد الأزمة وخطر التكفير واعتبار التعليم قضية أمن قومي.

جلال نديم صالح – لوردا فوزي