ثقافة

حتى لو كان مُسجلاً !!

لوردا فوزي
“هذا بنك إسلامي يا امرأة!! أرسلي لي زوجك ليحدثني بدلاً عنكِ” هذا بالتحديد ما قاله “ذكر” سعودي الجنسية -في الفيديو المؤذي والمزعج الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي-  أثناء وجوده في أحد البنوك الإسلامية  للحصول على مبلغ مادي.
لو كان قوله هذا لامرأة عاملة في البنك لكان الموضوع متوقعاُ وغير مستغرب في بلد لايسمح للمرأة حتى الآن بقيادة السيارة، لكن قوله ذاك لم يكن إلا للصوت الأنثوي الصادر من آلة الصراف، الصوت الأنثوي المسجل والصادر عن آلة تسجيل، كان يخبره أنه لا يملك رصيداُ في الوقت الحالي، فما كان منه إلا أن ارتسمت أمارات الحيرة على وجهه ناسياً أمر النقود ليطلب إلى الآلة عدم التحدث إليه- بدون محرم! وأستطيع أن أجزم أن هذا الفيديو جعل عينا كل من شاهده تزداد اتساعاً وتمتلئ اندهاشاً مصحوباً بغصة حملت على الأغلب نكهة التهكم، فعند وجود من ينكر على المرأة حتى أحقية وجود صوتها “مسجلاً” على آلة -لأسباب ليس لها علاقة إلا بجرعة عالية من التخلف -يشبعك هذا إحباطاً ويتخمك بمشاعر متخبطة، ففي الزمن الذي وصلت فيه المرأة إلى الفضاء، ماتزال تحرم امرأة ذاك السعودي أن يكون لصوتها حتى مجرد حضور مسجل، وعلى الرغم من أن مدة الفيديو لا تتعدى الدقيقة إلا أنه ينبئ بمؤشرات غاية في الخطورة ففي الوقت الذي “تطبل الدنيا وتزمر” بحقوق المرأة وتعزيز مساواتها بالرجل، يقبع البعض في حجرة من التزمت اللامنطقي واللامنتمي إلى أي فكر أو حضارة، يضاف إلى ذلك أن هناك من يقف موقفاً عدائياً من صوت الأنثى -لأسباب لا تقارب أسباب ذاك السعودي- ففي ألمانيا مثلاُ اضطرت إحدى الشركات لسحب سياراتها التي تحتوي على صوت امرأة في أنظمة الملاحة، وذلك لأن السائقين رفضوا تلقي الإرشادات من امرأة!
وما أن ترتفع الأصوات النسائية-بعيداً عن الأصوات المسجلة-مطالبة بالحصول على حق المساواة مع الرجل في كل مناحي الحياة، تبرق في ذهني فكرة لا أستطيع إبعادها، فكرة جميلة وطريفة في ذات الوقت فمن يجب أن ينادي بالمساواة هم الرجال أنفسهم وليس النساء فما تحظى به المرأة السورية من تسهيلات في مختلف المجالات يشعرها أنها الأفضل، وأنها مالكة كل الامتيازات، فالمرأة السورية لم تعامل يوماً بأي انتقاص أو اضطهاد بل كانت دائماَ مرفوعة الرأس ومحفوظة الحقوق، وهذا ما يجعلني أتذكر ذاك الفيديو “المقيت” -ولكن هذه المرة مع ابتسامة تعلو وجهي- عند الوصول إلى مكان عملي والتوجه نحو جهاز “البصمة”- وهو جهاز مستخدم من أجل مراقبة الالتزام بتوقيت الحضور والانصراف -لأسمع في كل مرة “أبصم” فيها وبعيداً عن أي تمييز، صوت أنثوي مسجل يشكرني قائلاً “thank you “.