ثقافة

فريد الأطرش والعودة إلى الماضي في اوبرا دمشق

أعادت تظاهرة فريد الأطرش لمناسبة الذكرى المئوية لميلاده (1915-1974)، صوراً كثيرة لملك العود حُفرت في أخاديد الذاكرة، وأثارت مشاعر كثيرين، لاسيما الكبار في السن الذين استحضروا شريط عمرهم، وذكرى أيامهم الجميلة في ذاك الزمن، فجاؤوا إلى الاوبرا لمتابعة بعض أفلامه الغنائية الاستعراضية التي أُدرجت ضمن برنامج التظاهرة، وتزامنت مع معرض للتصوير الضوئي، وأمسيات موسيقية، فكانت التظاهرة أشبه بلوحة بانورامية لكل الفنون.

السينما الغنائية
في ذاك الزمن حققت هذه الأفلام رواجاً كبيراً، وشغلت مكاناً في السينما العربية، لاسيما أفلام فريد الأطرش التي عُرضت في أيام التظاهرة، منها: (الحب الكبير– أنت حبيبي– أحبك أنت– حكاية العمر كله– نغم في حياتي)، هذه الأفلام التي وُظفت فيها كلمات الأغنية ضمن السياق العام لحكاية الفيلم، وللحالة الدرامية التي يعيشها البطل، إذ ظهرت في بعضها ظاهرة الرقص الاستعراضي بمشاركة سامية جمال، وهند رستم، وغلب عليها الطابع الكوميدي في بعض المواقف، في حين سرد بعضها الآخر حكايات تراجيدية لقصص حب حزينة، جسدت حكايتها أغنيات الفيلم، كما في أفلامه مع فاتن حمامة، وميرفت أمين، ورغم قلة التقنيات الفنية السينمائية المتعارف عليها في السينما في زمن العمالقة، إلا أن القائمين عليها تمكّنوا من صناعة أفلام جيدة ذات مضمون إنساني هادف، يعبّر عن قضايا اجتماعية شائكة تختزل حيثيات المجتمع، والأمر اللافت أنه استمر نجاح الأفلام الغنائية مع شادية وصباح، والثنائي بين ليلى مراد وأنور وجدي وسعاد حسني، ثم تراجعت جماهيريتها بعد رحيلهم رغم استمرار وجودها في الثمانينيات، إلا أنها فشلت وغلب عليها الطابع التجاري، فبدت سطحية، واللوحات الغنائية الراقصة بعيدة عن السياق العام للفيلم، باستثناء الأعمال التي قدمها يوسف شاهين، والتي أُنتجت بتمويل كبير.
والخطوة الإيجابية التي قامت بها الاوبرا بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما، أعادت ذكرى فريد الأطرش الذي طوّر الموسيقا العربية، وأدخل إليها قوالب الموسيقا الغربية: التانغو، والفالس، والرومبا، وأضاف الآلات النحاسية إلى الفرقة الموسيقية العربية، وطوّع آلة البيانو بإدخالها إلى ألحانه، وهو أول من أدخل الاوبريت الغنائي إلى السينما، كما في فيلم (أحبك أنت)، إذ تميّز بعرض الاوبريت الراقص من الشرق والغرب، والتي قدم من خلالها نماذج من التراث الغنائي الموسيقي.

التصوير الضوئي والموسيقا
وفي منحى آخر تشارك فن التصوير الضوئي مع السينما بعرض مجموعة صور خاصة للموسيقار المبدع منذ طفولته، وتعلّمه العزف، وخلال مراحل حياته، ومن أجواء أفلامه مع جميلات الشاشة المصرية مثل: شادية، وصباح، وهند رستم، وسامية جمال، إضافة إلى لقطات خاصة خلال مرحلة مرضه.
وكما بدأت التظاهرة بأمسية موسيقية لفرقة اوركسترا “الموسيقا العربية” بقيادة عدنان فتح الله، بتقديم مجموعة أعمال لفريد أُعيد توزيعها اوركسترالياً، اختُتمت بأمسية لاوركسترا “طرب” بقيادة الموسيقي ماجد سراي الدين، بدأت بعزف لحن الخلود، اللحن الأشهر لفريد الأطرش، ثم غنى رأفت أبو حمدان أغنيات لفريد منها: “عش أنت وبقا عايز تنساني”، إضافة إلى غناء مجموعة أغنيات من ألحانه، إذ لحّن لأسمهان، وليلى مراد، ونجاة علي، وصباح، وسعاد محمد، ووردة الجزائرية، وشادية، فاختار سراي الدين مجموعة أغنيات مثل: أغنية “ليالي الأنس” بصوت هيلانة الحلبي، و”على الله تعود” بصوت وضاح إسماعيل، و”يا حلاوتك يا جمالك” بصوت نانسي زعبلاوي، وكان للعود حضور كبير من خلال تقاسيم حسين علان، وكان ضيف الحفل الفنان خلدون حناوي.
حصل فريد الأطرش على وسام أفضل عازف عود في العالم عام 1965، وعلى وسام الخلود من فرنسا، ووسام الجمهورية قلّده إياه الرئيس جمال عبد الناصر، لكن نجاحاته كلها لم تبعد مسحة الحزن البادية في عينيه إثر منعطفات حادة أثرت بداخله، وتركت شروخات عميقة في ذاته.

ملده شويكاني