ثقافة

بين النتيجة والسبب غسان كامل ونوس

ما من نتيجة بلا سبب أو أكثر، ومن الطبيعي؛ بل المفروض أن نشخّص العوامل، التي أدّت أو تؤدّي إلى تلك النتيجة؛ للاستفادة من ذلك في عدم تكرارها، إن كانت سلبيّة، أو تكريسها إن كانت إيجابيّة؛ وهي استجابة أو ممارسة لحال واعية مفكّرة، تعني الإنسان، بما هو معنيّ به حضاريّاً ومصيريّاً ووجوديّاً. ولا تقتصر على جانب حياتيّ، ولا تتوقّف عند مستوى من المسؤوليّة؛ بل ينبغي أن تكون ثقافةً في الأداء الخاصّ والعامّ، حتّى تتحقّق الجدوى بنسبة أفضل فأفضل.
ومن المنطقي أن يكون البحث في الأسباب موضوعيّاً وذاتيّاً وحياديّاً، بصرف النظر عمّا يمكن أن تشمل من العناصر المادّية والبشريّة، وكائناً من كان الفاعل وأهمّيّته، كبر أم صغر، اقترب أم ابتعد! ومن المأمول أن تسود ثقافة الحساب والعقاب مع سيادة القانون، والممارسة الفاعلة والفعليّة له، بلا محاباة أو إرجاء، أو تلكّؤ أو أعذار، ومن المفضّل أن تَستقرّ النتيجة، أو تُقدّر، أو تُتوقّع، أو تُنتظر، بعد أن تكون اُختبرت؛ فتغدو المفاجآت أقلّ، والصدمات أخفّ. وإذا ما كانت القراءات خاطئة، والخطط الموضوعة، والبحوث والدراسات المُجراة مقصّرة، أو غير مجدية أو مناسبة؛ فهذا يلزمه محاسبة أيضاً؛ لأنّ من تبعاتها الهدر الكارثيّ في الوقت والجهد والمال والآمال. ومن الخطورة أن تؤخذ  القضايا بالنيّات؛ أي إنّ المُغلِّط لم يكن يقصد؛ فنعفو عنه، ونكافئه بمهمّة أكبر!
ومن الخسارات المضاعفة أن تذهب القراءات في الأسباب- أو تقود لاحقاً- إلى مسارات موجّهة وأمكنة محدّدة، وأشخاص معيّنين؛ فتتجاوز الفاعل الحقيقيّ، أو تتغافل عنه، وتجرّم ضحيّة لا علاقة لها بما حصل، أو إنّ مسؤوليّتها ثانويّة أو تابعة، أو مقيّدة. كما أنّ كثيراً من القراءات الخاطئة المقصودة، تركّب الأسباب التي تناسب أصحابها على النتائج التي تحقّقت، وهي ستُبعد بالتأكيد المقرّبين والمموّلين والمُوالين عن طائلة القانون، وستكون المعالجات التي تستهدف أشخاصاً آخرين، وعناصر مغايرة، لا فائدة منها ولا جدوى، ويتبقّى الخلل موجوداً، وتظلّ إمكانيّة تكرار المحصّلة نفسها قائمة. ومن المريب والمؤسي، أن لا تصل اللجان الموكلة بالتقصّي إلى نتيجة واضحة، وإشارات محددة؛ بل كلام عائم غائم فضفاض مراوغ، يمكن أن يؤخذ على أكثر من وجه، ويقصد أكثر من جهة، بلا بيّنات، فيضيع كلّ شيء، ويترك ما مضى كأنّه قدر بلا قضاء أرضيّ؛ ولنبدأ من جديد!
وتزداد منعكسات كلّ ذلك في أوقات الأزمات الكبرى، حتّى ليغدو الأمر كارثيّاً؛ لأنّ الحال تتطلّب الإسراع في البحث عن السبب، ووضع الحلول، لحرق الوقت والمراحل، والاستفادة من كلّ طاقة مادّيّة أو حيويّة مهما صغرت، من أجل العودة إلى المسارات النامية والجبهات الناهضة، وإنّ أيّ تقصير في ذلك، يكون إسهاماً مباشراً في العدوان والتخريب والتيئيس؛ حيث المآلات قاتمة.
الحال ليست متاهة، ولا يعني العبث الموجود، أو الذي يمكن أن يوجد في ميدان ما، عدمَ التخويض في هذا الميدان؛ لكنّه يعني ضرورة إجراء المقتضى، بالخطو الواعي والمدروس، والهمّة العالية، والإرادة الجادّة للوصول إلى صلب الموضوع، وأسّ القضيّة، والأنفاق الفعليّة، التي عبر منها الأعداء والمنافقون، ومازالوا يعبرون، أو هم فيها كامنون..
ما من نتيجة بلا سبب، وما من واقعة من دون مقدّمات. وإنّ جزءاً من هذه المقدّمات نتحمّله نحن، بهذه النسبة أو تلك، وجزء آخر يفرضه الآخرون، أو يشتغلون عليه؛ فليس من المفيد أن نقصِر الأمر على جانب واحد، فنحمّله الأسباب والتبعات كلّها، ونترك الجانب الآخر بمسبّباته وعناصره وعلاقاته وبيئته، ليعيد إنتاج الحالة، أو يفاقمها بلا أمل أو رادع. وليس الحلّ بالإبقاء على الحال، وعدم السؤال عن المآل، بحجّة الغموض والخيبة واليأس؛ فذلك أشدّ وبالاً وأنكى؛ كما لا يجوز إرجاء البحث في الوقائع؛ لأنّ الظرف لا يسمح، والأجواء ملبّدة، والميدان الساخن يحتاج إلى تركيز في حيثيّاته ومتطلّباته، ونحتاج إلى اللّحمة والمصالحة والغفران، لا التفريق والاتّهام والتجريم؛ بل لابدّ من السعي الحثيث إلى الحلول، بما تبقّى من وعي وإحساس بالمسؤوليّة والكرامة والإنسانيّة؛ لعلّ النتيجة يكون لنا فيها رأي، وفي إحقاقها لنا يد، ومن الخلاص أو الأمل به لا بدّ، لا بدّ.