ثقافة

حرائر” انتصار للمرأة.. وللرجل أيضاً

أمينة عباس
منذ أن أطلت الأعمال التلفزيونية على الجمهور والتي تعود بالمكان والزمان إلى دمشق مطالع القرن العشرين، وهي ما فتئت تشكل حالة من الجدال والحوار بين مختلف وجهات النظر التي ترى في هذه الأعمال مجالاً رحباً للأخذ والردّ على قاعدة مدى قربها أو بعدها من تقديم الصورة الحقيقية لدمشق وللمجتمع الدمشقي في فترة عانت فيها بلاد الشام عموماً من كثير من ويلات الحروب والصراعات التي أرخت بظلالها على الحالة الاجتماعية، فطبعتها بطابعها وشكّلت منها مادة غنية لتناول الكتّاب الروائيين والقصصيين والدراميين لهذه المرحلة من تاريخ سورية، التي شهدت أفول الدولة العثمانية مع كل ما شكلته من حالة متخلفة في كافة مناحي الحياة وهو الأمر الذي كلف دول المنطقة الكثير من الوقت والجهد حتى تقف على قدميها بعد تخلصها من الاحتلال العثماني البغيض، الذي لم يخلف وراءه سوى العقلية المتحجرة التي لا زالت حتى يومنا هذا مترسخة في أذهان البعض.
وباعتبار أن المرأة هي أساس المجتمعات ومعيار تقدمها وتطورها في علمها وتعليمها وثقافتها ونشاطها الاجتماعي، كانت صورة المرأة الدمشقية خصوصاً والسورية عموماً في هذه الأعمال محط اهتمام المتابعين، وكثير منهم من المنتقدين للصورة التي ظهرت عليها المرأة في هذه الأعمال، فقد رأوا فيها المرأة الضعيفة المستكينة المستسلمة كلياً للرجل الشريك-السيد دون أن تتمكن من أن تجاريه أو تتخذ منه موقفاً إيجابياً، سوى حياكة الدسائس والمؤامرات عملاً بالمأثورات الفاسدة حول الدور السلبي البحت للمرأة في محيطها، ولا شك أن بعض الأعمال الدرامية التي تناولت دمشق قبل مئة عام كرّست هذه النظرة الدونية للمرأة الأمر الذي دفع بالأصوات إلى التعالي احتجاجاً على هذا التوصيف المجحف بحق المرأة والرجل في آن واحد، ويبدو أن هذه الأصوات بدأت تؤتي ثمارها عند كتّاب درامانا فاندفعوا محاولين تصحيح هذه الصورة النمطية المخزية عن المرأة السورية، وقد تجلى ذلك في أكثر من عمل تلفزيوني برز منها هذا العام مسلسل “حرائر” الذي قدم شخصيات نسائية سورية نموذجية، بعضها مستمد من الواقع كشخصيات ماري عجمي ونازك العابد، وبعضها الآخر مبتكر ومفكر كي يحمل فكراً تنويرياً حملت المرأة السورية قبل مئة عام على عاتقها جزءاً كبيراً من مهمة نشره.
“حرائر” نموذج حيّ على الأعمال التي تحترم الإنسان رجلاً كان أم امرأة لذلك استحق المتابعة والتقدير.