ثقافة

الاحتفالية بمئوية “مجازر سيفو” في أوبرا دمشق البطريرك مار اغناطيوس افرام الثاني:لن يقتلوا حبّ الحياة فينا ونرد على إرهابهم بالأدب والفنون

لن ينسى التاريخ تلك المجازر التي تعرض لها السريان على يد العثمانيين قبل مئة عام وراح ضحيتها زهاء خمسمئة ألف من السريان،وسُميت بسيفو نسبة إلى قطع الرؤوس بالسيف،ذكرى المئوية التي أقيمت في دار الأوبرا بالتعاون مع البطريركية ووزارتي الشؤون الاجتماعية والإعلام.كانت خيمة حزن نكأت جرحاً لم يندمل عبْر قرن من الزمن.
بدأت الاحتفالية بعرض الفيلم الوثائقي”الإبادة المنسية”حيث تداخل البعد الوثائقي باللقاءات التسجيلية لأشخاص معاصرين معنيين بالإبادة،إضافة إلى شهادات حيّة من قبل كبار في السن كانوا أطفالاً أثناء الإبادة وشهدوا فجائعيتها برؤية أمهاتهم وآبائهم وأجدادهم وهم يقتلون. وقد تكامل الفيلم مع المؤثرات الصوتية والآهات الحزينة التي ترجمت الصور المرئية وعكست الإضاءة الصفراء للصور لون الموت.

عبرةً لمن
افتتاحية الفيلم كانت لقطات لصور الأطفال المهجّرين وضحايا مجزرة سيفو ليأتي المشهد الأخير بصورة الحمام الأبيض الذي ينشد السلام والأمان كحال السريان والأرمن وكل أطياف الشعب السوري، بدأ الفيلم بالسرد المتتابع لتاريخ السريان الذين اعتنقوا المسيحية في القرنين الثاني والثالث الميلادي،وعن اللغة السريانية التي هي لغة السيد المسيح،وكانت اللغة المحكية في مناطق سورية قبل انتشار اللغة العربية،والسؤال الذي طرحه الفيلم عبرةً لمن؟وما الذنب الذي ارتكبوه؟، وقد تميّز الفيلم بالربط بين الماضي والحاضر فعرض صوراً لما يحدث الآن ممثلاً بشخصية أردوغان.

اليوم تتكرر الإبادة
ومن الأشخاص المعنيين الذين شاركوا بلقاءات تسجيلية داخل الفيلم قداسة البطريرك مار اغناطيوس افرام الثاني،الذي أكد أن السريان يحاولون الشفاء من ألم الإبادة لكن الجرح موجود لايمحى من تاريخهم وضمائرهم،وأن الاحتفاء بالذكرى المئوية لإبادة السريان مناسبة لكي يتصالح الشعب التركي وتتصالح الحكومة التركية التي هي استمرارية للدولة العثمانية مع تاريخ أجدادها وتعترف بالإبادة وبتلك المجازر،وأن السريان لم يهدفوا من الذكرى إلى زيادة الضغائن،وإنما للتعبير عن إخلاصهم للشهداء ولتذكير الآخرين بما حدث وما يحدث الآن.

تحفيز الذاكرة السريانية
أما الباحث التاريخي غسان الشامي فتحدث عن حضارة السريان وتجذرهم في الأرض،وأضاف بأن إعادة إحياء الإبادة هو تحفيز للذاكرة السريانية الجمعية بأن لديهم سريراً حضارياً في هذه المنطقة من العالم،يجب أن لا يتخلوا عنه رغم كل الصعاب،فأمة بلا أرض هي أمة بلا جذور ولاهوية،وأي شعب بلا هوية هو قبائل رُحل،وأنهى مداخلته بمقولة لانقبل أن يذهب السريان إلى تكرار ما ارتُكب بحق سريانيتهم وسوريتهم.

لاتدفن ماضيك
أما السيدة فيرا يمين رئيسة المكتب الإعلامي في حزب تيار المردة فقالت: لايمكن أن تدفن ماضيك يجب أن تتذكر ماضيك لكي تستحضر حاضراً مضيئاً،وإلا فإننا نستنسخ بطريقة أو بأخرى أزماتنا وتجاربنا وتاريخنا،وما نراه اليوم على أرض الواقع إنما من فعل الإبادة ويحاولون تكرارها.

نحن أبناء الحياة
وبعد عرض الفيلم قدمت جوقة مار افرام السرياني البطريركية بقيادة شادي سروة مجموعة من الأغنيات السريانية التراثية،وقد وصف سروة هذه الأغنيات بأنها أغنيات الحياة، تحكي عن الحب والأرض اختارها لنعرف كيف كان يعيش السريان قبل الإبادة وكيف تمثلوا قيم الحب والجمال،وأن الشباب الذين يرددون هذه الأغنيات كان يرددها أجدادهم  باللغة نفسها وبالإيمان ذاته الذي استشهدوا من أجله.

البوح بالوجع
تألفت الجوقة من سبعة عازفين للأكورديون والتشيللو والناي والغيتار والبزق والإيقاعات الغربية ،فتكونت من مزيج شرقي غربي،وكانت نغمات البزق المغرقة بالحزن وصوت الوجع البطل الأساسي من خلال الصولو الذي سبق أكثر الأغنيات رغم إيقاعاتها الفرحة بصورة تعبّر عن انبثاق الفرح من سواد الحزن،وكانت بعض الأغنيات تسرد حكاية حب صغيرة بإطار شعبي،وأنهى سروة فقرة الجوقة بإهدائه الجمهور أغنية كتبها ولحنها عنوانها ياالحامل سيف الدمار،وأوضح بأنها رد على كل قوى الشر والعدوان، كتبها عام 2003 للرد على كل ما يفعله الصهاينة بفلسطين،واليوم تحمل الرسالة ذاتها للعدو التركي ولكل قوى الشر التي ترفض الآخر،لاسيما أننا نرى اليوم أحفاد العثمانيين يحملون الأفكار ذاتها ويمارسون القتل ذاته.

نثمن تضحيات جيشنا
وفي ختام الاحتفالية وجه البطريرك مار اغناطيوس افرام الثاني كلمة،شكر فيها كل القائمين على إحياء الذكرى المئوية لإبادة السريان والأرمن مؤكداً أن الأحداث التي عمرها مئة عام مازالت تتكرر اليوم من قبل أناس يحملون الأفكار نفسها،وكأنهم لم يتعلموا شيئاً طيلة مئة عام،مازالوا يحقدون ولا يستطيعون قبول الآخر المختلف عنهم عرقاً أو إيماناً،وأن ما نراه اليوم قتل لكل ما تحمله الإنسانية من قيم وأخلاق وقتل للتاريخ والطبيعة ووصف هؤلاء المجرمين بأنهم أعداء الحياة ذاتها،كما أبدى استياءه من تدمير معبد عمره آلاف السنين ومن قتل شيخ عالم بالآثار ومن تدمير دير في القريتين،كما ثمّن التضحيات التي يقدمها الجيش العربي السوري مؤكداً بأنهم لن يقتلوا حب الحياة بداخلنا،فالحياة أقوى من شرهم،وأنهى كلمته بأن العروض الفنية والأفلام الوثائقية رد على إرهابهم،وأثنى على الفيلم الذي أعده التلفزيون العربي السوري من قبل المسيحيين والمسلمين،وهو الفيلم الأول عن تلك المذابح التي تركت بصماتها ليس بالشخصية السريانية أو الأرمنية وإنما بالشخصية السورية متمنياً أن يتكرر هذا اللقاء بعد انتصار سورية على الشر والعدوان لإعادة إعمارها من جديد .

نكرر المطالبة بالاعتراف
وتحدثت “البعث” مع المطران آرماشنالبنديان رئيس الأسقفية مطران الأرمن الأرثوذكس لأبرشية دمشق وما حولها،إذ قال: القضية الأرمنية ستبقى في ضمير كل أرمني وفي ضمير كل إنسان شريف،وكرر المطالبة بالاعتراف،ونوّه إلى ضرورة الاحتفاظ بالصور الموجودة في سورية والتي تعدّ وثائق تعكس صورة حقيقية عن المجازر التي ارتُكبت بحق السريان والأرمن من قبل تركيا في الأراضي الأرمنية والسورية وفي بيروت،ومن الضروري أن نحافظ عليها بصناعة الأفلام الوثائقية وإدراجها بالكتب الوثائقية،وتابع بأن الإبادة لم تكن للإنسان فقط وإنما للثقافة واللغة والأوابد.

الاعتداءات بالأداة ذاتها
وعلى هامش الفعالية شاركنا الرأي الأب عبد المسيح يوسف في كنيسة العذراء في القامشلي من رجال الدين السريان عن الإبادة المنسية التي حلت بالسريان الذين أولاً وأخيراً هم سوريون، والآن بعد مئة عام يتعرض الشعب السوري بكل بقعة من جغرافيته للاعتداءات من قبل أشخاص يحملون الأداة ذاتها والفكر ذاته.وأشاد بالفيلم الذي أعطى صورة واضحة عن وحشية الأتراك ووحشية التكفيريين ضد شعب آمن ومسالم،وبأغنيات الجوقة النابضة بالمحبة والسلام فمنذ أن نشأت الأغنية السريانية والكتّاب والموسيقيون يغازلون الأرض ويعبّرون عن ثقافة الإنسان السوري.

نختلط بالجميع
أما الأب أبكارككجيان كاهن الأرمن الأرثوذكس في دمشق فقد أثنى على الفيلم الذي يذكرنا بالماضي الذي لايُمحى وبالجرح الذي لايندمل،وعلى أغنيات الجوقة التي عبّرت عن حب الحياة،وأوضح أنهم مهما فعلوا فالسريان والأرمن رعية يعيشون في سورية ويختلطون بالجميع لايسيئون إلى أحد ولا أحد يسيء إليهم.

أخوة بالدم
السيد بيرجبرسوميان من أعضاء المجلس الملي لمطرانية الأرمن الأرثوذكس تحدث عن المصير المؤلم المشترك الذي واجهه الأرمن والسريان،فقال: نحن أخوة بالدم عشنا مع بعضنا أراضينا وأراضيهم مشتركة ونواجه قضية واحدة ضد العثمانيين الذين أبادوا شعبنا ومارسوا عليه كل صنوف التعذيب،ومطالبتنا واحدة بالاعتراف بالمجازر من قبل الحكومة التركية ونتمنى أن تحمل لنا الأيام القادمة الإنصاف بالاعتراف.

فعل الصهاينة
ورأت السيدة ميرفت دمر إحدى المشاهدات أن فجائعية الصور التي رأيناها لاتعبّر إلا عن جزء بسيط مما حدث ومما شهده السريان والأرمن،وما حدث يعاد تكراره ويتم التهجير القسري من قرى كاملة يقطن فيها السريان والكلدان والآشوريون،وهم متجذرون بالتاريخ السوري من قبل ظهور الدين المسيحي والإسلامي،وهذا كله من فعل الصهاينة الذين يكررون أفعالهم المشينة في قرى فلسطين،وتقديراً لأهمية الذكرى طالبت بتدريس اللغة السريانية إلى جانب اللغة العربية وبقية اللغات لاسيما أنها لغة السيد المسيح .

محوراً للحقيقة
وقدمت د.نورا أريسيان الأكاديمية في شؤون الإبادة الإبادة الأرمنية مداخلة جاء فيها: الشعوب التي عاشت في هذه المنطقة تعد شعوباً شهيدة ذاقت الويل من الإمبراطورية العثمانية فواجهت مصيراً واحداً ومشابهاً،وأصبحت الإبادة الأرمنية ومذابح سيفو محوراً للأفلام الوثائقية والتقارير التلفزيونية التي تكشف الحقيقة وتوضح مجريات الأحداث قبل مئة عام.
ملده شويكاني