ثقافة

“عندما تكون اللعبة شموخاً” في الأوبرا الحـبّ دون شـرط والأخـوة دون رابـطـة الـدم

تعاليم الكتاب المقدس الإنجيل “اعطوا لتُعطوا” والصلاة كانت شاهداً في فيلم “عندما تكون اللعبة شموخاً” الذي عُرض ضمن أفلام المهرجان في الأوبرا،واقترب من أجواء عوالم مثالية روحانية تدعو إلى العودة إلى الله وتمثُل تعاليم الإنجيل القائمة على المحبة،وذوبان الذات لتتلاشى بالحلم الجماعي في إطار السينما الرياضية التي جسدت لعبة كرة القدم التي يعشقها الملايين من العالم،وقد اعتمد المخرج على تقديم سينما واقعية تحاكي واقع ما يحدث في الملاعب متعمقاً في خصوصية اللعبة وقوانينها،ورغم ابتعاده الكلي عن الإبهار البصري إلا أنه تمكّن من إيجاد أجواء حماسية سيطرت على الفيلم لدرجة أن المشاهدين في الأوبرا صفقوا لتفاعلهم الشديد في مشهد النهاية غير المتوقع،ليكمل المخرج دائرة العوالم المثالية التي بحث من خلال أقطابها عن الحبّ دون شروط وإمكانية إيجاد أخوة دون رابطة الدم.
الأمر اللافت أن الفيلم لم يمض بمسار واحد رغم أنه مستوحى من قصة حقيقية،إذ أقحم خطّ الإرهاب من خلال حادثة أودت بحياة أحد اللاعبين،إضافة إلى تناوله حالات إنسانية يعيشها اللاعبون المراهقون البيض والزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية مغرقة بآلام الفقد والرحيل والمرض والخلاف بين الآباء والأبناء.

الحبّ دون شروط
تبدأ قصة الفيلم المستوحى من القصة الحقيقية لمدرب كرة القدم بوب لادوسير، إخراج توماس كارتر وسيناريو سكوت مارشال سميث مع عرض مشاهد متكررة لسلسلة النجاحات التي حققها فريق المدرسة الثانوية دي لاسال الذي حطم أسطورة الأرقام القياسية بحصوله على الفوز بـ151 مباراة والمرشح للحصول على بطولة الولايات المتحدة الأمريكية،فكانت مواقع التدريب والملاعب هي المكان الأساسي في الفيلم،ينطلق المخرج منها إلى مشاهد صغيرة تتابع الأحداث التي تعود إلى الملعب.
الحادثة الأولى التي توقف عندها المخرج هي مرض المدرب لاد -الذي جسد دوره النجم جيم كافيزيل، وتعرضه لأزمة قلبية فيبتعد عن التدريب عدة أشهر يتماثل خلالها للشفاء،لينعطف المخرج عن عوالم الكرة ويجسد الحالة الإنسانية التي يعيشها اللاعب الزنجي كام الذي يفقد والديه ويصبح وحيداً مع أخيه الصغير،لتتسرب المشاهد إلى إيضاح علاقة الصداقة بين اللاعب تي الزنجي أيضاً وكام وتعاهدهما على الأخوة مدى الحياة دون رابطة الدم،لكن مسار الفيلم يتغير ليدخل في خط الإرهاب الذي يطال حياة الأبرياء من خلال حادثة إطلاق النار على مكان عام تشاء الأقدار أن يأتي إليه تي بالمصادفة ليلتقي بصديقه ويعودان معاً،فيموت برصاص الإرهاب وهو أمل جدته التي تحضر المباريات لأجله،لتنتقل المشاهد إلى أجواء حزينة تجسد حزن اللاعبين على وفاة صديقهم،ويقحم المخرج من خلالها بذكاء الجرائم اللاإنسانية التي يحدثها الإرهاب وفلسفة الحياة والموت ووقوف الإنسان عاجزاً إزاء الموت والحكمة الإلهية من ذلك.

عاهات الحروب
في القسم الثاني من الفيلم يحدث انكسار كبير إثر تراجع الفريق وخسارته مع الفريق المنافس،فتتوالى المشاهد لإيجاد صيغة تفاعلية بين المدرب لاد واللاعبين،لترميم ما حدث بالمصارحة بينهم وكشف مشاعرهم وإقناعهم بأن  الفوز هو أن يقدم اللاعب أفضل مالديه في سبيل تحقيق الحلم الجماعي،وتكتمل خطة المدرب مع تدريبات اللياقة البدنية المكثفة والصعبة،ليعود المخرج إلى ومضات إنسانية من خلال بقاء اللاعبين بعض الوقت في مشفى يعالج الأشخاص الذين أصيبوا بعاهات دائمة إثر الحروب،ليشفوا من أوجاعهم ويتابعوا حياتهم من جديد،ليزرع في أعماقهم الثقة من جديد ويحثهم على تقديم المساعدة للآخرين.
تعود الكاميرا إلى سلسلة مباريات إقليمية وصولاً إلى المباراة النهائية ليدخل المخرج حالة إنسانية جديدة تتعلق بالمدرب ذاته،الذي يعترف لنفسه ولزوجته بأنه لا مكان له في عالم النت بعد أن أصبح اللاعبون نجوماً،تستقطبهم المحطات الفضائية للإدلاء بتصريحاتهم وخاصة الهدّاف كراس الذي يحتاج إلى ثلاث نقاط كي يحصل على اللقب العالمي،ويتعرض لضغط والده للفوز باللقب،فيفكر بالابتعاد وقبول عرض من الجامعة بعد المباراة النهائية.

العطاء اللامحدود

في المشاهد الأخيرة من الفيلم يؤثر المخرج على المشاهد بمشهد الصلاة قبل المباراة “أبانا الذي في السموات” وبأجواء حماسية بوجود جموع المشجعين،ويتوقف لحظة بلحظة عند خطة التمرير المخادع وخطة الهجوم وتحضير اللاعبين الاحتياطيين وإعطاء التعليمات للاعبين وتجسيد الحالة الانفعالية التي يعيشها لاد بصمت وتظهر الأداء الرائع للبطل.
وأجمل ما في الفيلم يأتي في المشهد الأخير الذي صفق له المشاهدون في الأوبرا وكأنهم أمام مباراة حقيقية بعد أن تمكن لاعبو فريق لاد من الفوز على الفريق المنافس رغم صعوبة المباراة ورغم قوة وضخامة اللاعبين،وبعد أن يسجل كراس هدفين يتوقف ويمتنع عن تسجيل الهدف الثالث وينحني أمام المدرب لاد ويقدم خوذته له اعترافاً منه ومن الفريق بالعطاء اللامحدود الذي قدمه لهم،لينتهي الفيلم بقرار لاد بمتابعة التدريب.
ملده شويكاني