ثقافة

بحضور د.نجاح العطار تأبين د.عبد الله واثق شهيد.. رجلاً من نخيل

بحضور د.نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية راعي الحفل أقيم ظهر أمس في مكتبة الأسد حفل تأبين د.عبد الله واثق شهيد، وجاء في كلمة راعي الحفل د.نجاح العطار والتي ألقاها وزير التعليم العالي د.عامر مارديني أن الراحل كان العقل السوري المتفتق بالعلم والكنز المعرفي الوافر .
علامة متميزة
وأشار د.مارديني أن الفقيد كان علامة متميزة منذ أن نشأ وترعرع في قريته الصغيرة دارة عزة إلى أن اعتلى منابر العلم والمعرفة في المغترب، ليصبح أستاذاً جامعياً فوزيراً للتعليم العالي فمديراً لمركز البحوث العلمية، مبيناً أن الراحل كان الأستاذ الجامعي الذي مزج بين العلم والتربية، وهو الوزير المخطط لتطوير التعليم العالي والمدير المتمرس الذي جعل من مركز البحوث منارة سورية إلى العالم، وهو وإن فارقنا جسداً إلا أنه سيبقى بيننا خالداً لأنه واحد من الشخصيات الوطنية الفذة والمتميزة كما تشهد أعماله العلمية والإنجازات العظيمة التي أسهم في تحقيقها.
وختم د.مارديني كلمته مخاطباً روح الفقيد قائلاً: “الرجال أيها الراحل كثر لكن أمثالك قليل.. ستبقى ذكراك عطرة في قلوب السوريين وستفتقدك سورية كثيراً”.

موهبة التأسيس
أما د.مروان المحاسني رئيس مجمع اللغة العربية فقد اعتمد في كلمته التي ألقاها مساراً فكرياً حاول فيه إبراز ما يجب توضيحه من مآثر وعطاءات الفقيد التي تستحق تسليط الأضواء عليها خدمةً للحقيقة، وهو الذي كان رجلاً كامل المروءة واثقاً من نفسه، لا تُحِيْدُه الصعوبات عن قناعاته، ولا تُخيفه التحديات، يتمتع بصبر عجيب يتيح له الوصول إلى أهدافه دون الاختصام مع الذين يتشبّثون بوجهات نظرهم.. وقد تجلّى التقدير لعمله في المجال العلمي حين صدر مرسوم بتعيينه نائباً لوزير التربية لشؤون الجامعات عام 1966 وأُلحق بمرسوم آخر بعد شهور قليلة بتسميته وزيراً للتعليم العالي، وهذا ما مكَّنه من وضع أسسٍ متينة للعلاقة بين الجامعات وبين الوزارة، إضافة إلى إعادة النظر في المستويات التدريسية لإصلاح ما فيها من خلل وجعلِها تتطابق مع متطلبات العصر، مشيراً إلى أن الفقيد واثق شهيد انتخب عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية عام 1988 وأصبح الأمين العام للمجمع منذ عام 1996 وحتى عام 2008، وقد اتّسم بصبرٍ وأناة ودقةٍ في معالجة المشكلات وحنكةٍ في الوصول إلى الأهداف المرجوة، وهو الذي أدخل إلى مجمعنا مفهوماً جديداً كان قد طبَّقه على الجامعات وهو إيجاد هيئة فنية موازية للوظائف الإدارية في المجمع، وأفرادها جامعيون أرادوا الاستمرار في بحوثهم العلمية، يستفيد المجمع من وجودهم أمناء للجان ويشاركون الأعضاء العاملين في بحوثهم، مبيناً المحاسني أن أول معجمين علميين حديثين نشرهما المجمع قبل بضعة شهور هما معجما مصطلحات الفيزياء والكيمياء اللذان أنتجتهما لجنتان كان يرأسهما الفقيد منذ عام 2008، وقد أرسل المجمع المعجمين إلى وزارة التعليم العالي ليكونا المرجعين المعتمدين لكل ما يَرِد في كتب الفيزياء والكيمياء الجامعية في سورية.
وختم المحاسني كلمته مؤكداً أن موهبةَ التأسيس كانت الطابع الأشمل لنشاطات الفقيد، فكان من مؤسسي المجلس الأعلى للعلوم ثم أسس وزارة التعليم العالي وانتهى إلى تأسيس مركز الدراسات والبحوث وقد أبدى في هذه المهام جميعاً أصالةً فكرية حقيقية وحكامةً رشيدة وطموحاً وطنياً لا حدود له.

إرث مؤسساتي غنيّ
وانطلاقاً من البوابة الكبرى بوابة مركز الدراسات والبحوث العلمية التي مثلت محور أعمال وطموحات وإنجازات الفقيد لفترة تجاوزت الربع قرن من الزمن تحدث د.عمرو الأرمنازي مدير عام مركز الدراسات والبحوث العلمية عن مسيرة الفقيد الطويلة وقد امتدت تلك المسيرة في مركز البحوث زهاء عشرين عاماً وشملت سنوات التأسيس والإقلاع في العمل وتطوير البنى المؤسساتية وتحقيق الإنجازات والنتائج الهامة، موضحاً الدور الطليعي للفقيد في إشادة مركز البحوث وإدارته وترسيخ أسس استدامته ونموه، وقد مثّل هذا المركز بالنسبة له تجسيداً لرؤى وطنية عميقة ومتكاملة وهو الذي كان يؤمن بدور العلوم والتقانة في تحقيق التنمية المستدامة في المجتمعات النامية وقد اعتبر أن تأسيس المركز يمثل انطلاقة حقيقية للمساهمة في تحقيق هذه الرؤى في المستقبل.. ومن باب العرفان وتقديراً للراحل الكبير استعرض د.أرمنازي طيفاً من السياسات والتوجهات والمبادرات التي تم تبنيها خلال مسيرة العمل التي قادها الفقيد لأكثر من عقدين من الزمن.
وختم أرمنازي كلمته منوهاً إلى أن الراحل ترك إرثاً مؤسساتياً غنياً يمثل مورداً وطنياً يزخر بالقدرات والكفاءات لنستثمرها ونطورها ونبني عليها، وهكذا كان بالرغم من التحديات والصعاب، مطمئناً الفقيد وهو في مثواه أن المركز الذي أسسه وأداره لربع قرن من الزمن يسير قدماً في استكمال تحقيق الأهداف والغايات الوطنية الكبرى.

أحد رجالات العلم
ولأن الراحل أحد رجالات العلم ليس في جامعة دمشق فحسب وإنما في سورية بيّن رئيس جامعة دمشق د.حسان الكردي أنه برحيل د.واثق شهيد انطفأت شمعة طالما أنارت الطريق لطلبة العلم وزوّدت الأجيال المتعاقبة بالعلوم منذ انطلاق مسيرتها العلمية عام 1966 مشيراً إلى أن الفقيد أرسى آنذاك نظاماً تعليمياً متطوراً باذلاً جهوداً كبيرة من أجل تأمين الكوادر التدريسية لجامعة دمشق، مبيناً أن الفقيد تبوأ المكانة العلمية السامية أستاذاً وباحثاً جامعياً أفنى عمره في التعليم والبحث، ورأى أن الوطن عندما يكرم علماءه يبوئهم المكانة التي تليق بهم عرفاناً بفضلهم وتقديراً لجهودهم وإن مشاركة جامعة دمشق في تأبين الفقيد ما هي إلا صورة من صور الوفاء لعلَم من أعلام العلم في سورية وأن الجامعة لن تنسى عطاء الفقيد وأن روحه ستبقى دليل عمل ومنهج سلوك لزملائه وطلابه.

نذر نفسه لخدمة العلم
وفي كلمة أصدقاء الفقيد بيّن د.عماد الصابوني في كلمته أن ندرة هم الذين يملكون رؤية ثاقبة يستشرفون بها معالم المستقبل، وندرة هم الذين وهبوا حياتهم لتحقيق رؤيتهم، يضعون أهدافاً واضحة ومحددة ويسعون للوصول إليها بحنكة وحكمة، مؤكداً أن الفقيد د.واثق شهيد كان أحد هؤلاء، مشيراً إلى الفترة التي تعرف فيها إلى الراحل (1981) حين كان المدير العام لمركز الدراسات والبحوث العلمية، متوقفاً عند مراحل أخرى التقيا فيها، مؤكداً أن الفقيد أمضى عمره في خدمة العلم والبحث العلمي وقد نذر نفسه لإقامة مركز البحوث العلمية وتطوير البحث العلمي في سورية الذي آمن بأنه أحد أسس بناء المجتمع الحديث.. من هنا كان صاحب فكرة إحداث المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا وقد آمن إيماناً عميقاً برسالته رغم التحديات والاعتراضات التي واجهها، وقد أثبتت الأيام برأي الصابوني صوابية رؤية الفقيد ودقة تحليله للمشكلات واختياره للحلول، والمعهد يلعب اليوم دوراً جوهرياً في رفد المركز والعديد من مؤسسات الدولة بمن يحتاجون إليهم من مختصين .

رجل عملاق
وباعتبار أن د.أحمد الحصري من طلاب الفقيد فقد تحدث في كلمته التي ألقاها باسم طلابه عن أستاذه الذي درس على يديه مقرر “علم التحريك الحراري” الذي أعدّ فيه الفقيد كتاباً جامعياً لا زال مرجعاً أساسياً للطلاب في هذا الفرع من العلوم الفيزيائية، مشيراً إلى عمله مع الفقيد معيداً في قسم الفيزياء بكلية العلوم لمدة عامين طوّرا خلالهما تجارب الفيزياء في القسم لتتاح له فيما بعد فرصة العمل مع الفقيد وهو مدير عام لمركز البحوث العلمية خلال الفترة الواقعة ما بين 1972 و2002 وقد كلّفه الفقيد خلال هذه الفترة بمهام متنوعة كمدير التعاون العلمي ورئيس قسم الفيزياء في المعهد العالي للعلوم التطبيقية ليلتقيا فيما بعد في مجمع اللغة العربية بهدف إعداد معجم مصطلحات الفيزياء وهو عمل استمر ما يقارب عشر سنوات (2005-2015) مشيراً إلى أن الفقيد كان يأتي إلى المجمع قبل وفاته بأشهر، يحمل عكازاً ليشارك في اللقاءات الدورية.
وختم الحصري كلمته مؤكداً أننا بفقدان الراحل د.واثق شهيد نكون قد خسرنا رجلاً عملاقاً أنجز أعمالاً عملاقة.

أنجز فأعجز
ونيابة عن أسرة الفقيد شكر د.زكريا جقل ابن أخت الفقيد في كلمته السادة الذين حضروا التأبين ورافقوا الفقيد في رحلة عمله وعطائه والتي كان في كلماتهم ما يخفف من مصابهم ويشد من أزرهم، مبيناً أن غياب الراحل كان مفجعاً ورحيله موجعاً إلا أنه سيبقى أباً لا يعوَّض، علّم فأبدع، صنع فأجاد، أنجز فأعجز، رحل فأتعب، وهو الذي كان أباً حنوناً وأخاً نصوحاً رغم مشاغله الكثيرة، موضحاً أن ملازمته للفقيد في مراحل مختلفة من حياته تركت لديه ذكريات لا تمحى ومنحته فرصة التعرف على كثير من الجوانب الإنسانية والمواقف النبيلة في حياته، مستفيداً من فكره وطريقة محاكمته المنطقية، لذلك كانت الخسارة كبيرة بفقدانه، مؤكداً أنه وإن رحل سيبقى حاضراً حياً في الذاكرة والضمير بما كان يمثله من قيم رفيعة ومواقف إنسانية جعلت منه مثالاً يحتذى.
وختم د.جقل كلمته شاكراً كل من ساهم في تخفيف مصابهم، وبالأخص د.نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية.
أمينة عباس