ثقافة

رسالة رمزية تتناول تاريخ سورية عبر نص مسرحي مدعم بالوقائع التاريخية

حكاية نضال، وبطولات الشعب السوري من مرحلة الاحتلال العثماني، مروراً بالاحتلال الفرنسي، وقيام الثورات السورية ضد المحتل في كل الأراضي السورية واللبنانية، والتي توّجت بالثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، وصولاً إلى ما تمر به الأرض العربية عامة، وسورية خاصة، من وقائع متواترة، ومن مؤامرات على هذا الشعب، ووصولاً إلى واقعنا الحالي، هي فصول “الطريق إلى الشمس”، العمل المسرحي الذي دمج بين عدة فنون، كان في مقدمتها الغناء، والرقص، والتمثيل، وصولاً إلى ما يشبه بانوراما تاريخية عن حياة ونضال الشعب العربي السوري.. العمل تم عرضه مؤخراً على خشبة مسرح المركز الثقافي في السويداء.

سلاح نوعي
في مسرح الحرب تكون النظرة مختلفة، لأنه يقدم في وقت استثنائي وظرف دقيق، وعلى وقع قذائف الهاون الغادرة ورصاصات القناصين، قرر فريق العمل البقاء، ولم يغادروا مسرحهم، فرسالتهم إنسانية ومختلفة عن كل الرسائل، وسلاحهم لا يقل أهمية عن بندقية تقاتل العدوان والاعتداء، وتدافع عن الوطن.
العرض يحاكي الواقع السوري اليوم، ويرجع إلى مراحل تاريخية، ومحن عاشها الشعب السوري ربما كانت أشد قسوة من هذه الحرب، ويخرج من حالة الحرب إلى حالة النصر المحقق معتمداً على عقيدة السوريين في عشق وطنهم سورية، ولأن الفن والمسرح حالة مختلفة في زمن الحرب، قرر المخرج المسرحي ممدوح الأطرش، كما يقول، أن يقاتل بسلاحه النوعي وهو الفن، فالعمل يضم كادراً كبيراً، وفيه جهد مشترك يرصد تاريخ الاعتداء على سورية عبر التاريخ، ويرصد مراحل مهمة في التاريخ السوري بعيداً عن الطائفية، فاجتمع الجميع تحت علم واحد وهو سورية الأم، ولفت المخرج الأطرش إلى أن “الطريق إلى الشمس” هو الطريق نحو الحرية والنور والحياة الأبية، وهو طريق النضال والمقاومة، منوهاً بالجهود المبذولة من قبل أسرة العمل، حيث كان لهم الدور الأكبر في إنجاح هذا العرض.

جهود ضخمة
إن المبالغ الضخمة، والتحشيد لعدد كبير من الراقصين والمغنين والممثلين والموسيقيين وصناع الديكور ومديري الإنتاج، لم يجعل «الطريق إلى الشمس» سهلاً لا من ناحية صياغة مادته البصرية التي افتتح العرض بها، ولا حتى في الحكاية التي استأثر الفنان كفاح الخوص برواية معظم أحداثها على الخشبة، فالأخير كاتب النص والأشعار لعب دور الراوي منتزعاً زمناً كبيراً من أحداث قصته التي تبدأ منذ إعدام العثمانيين للمناضل «ذوقان الأطرش»، والد زعيم الثورة السورية الكبرى، ووصيته لابنه سلطان الأطرش بمتابعة النضال من بعده ضد المستعمر الأجنبي، حكاية تنسج ملابساتها من موقف الباص العمومي في أحد شوارع دمشق، حين يتدخل «الخوص» ويوزع الأدوار على رجال ونساء وأطفال ينتظرون حافلات الركوب العامة، فيتحوّل شرطي المرور إلى «قائد عسكر»، والشحاذ إلى «وال عثماني»، وبعدها إلى «الجنرال الفرنسي غورو»، بينما يلعب البقية أدواراً متباينة في عودة قسرية إلى الماضي، تعِد هؤلاء أن «يسبقوا ظلهم» في حال فهموا العبرة من هذا العود في الأبد السوري.
مشهدية العرض التي زاوجت بمهارة حركية لافتة بين الرقص والموسيقا الحية لفرقة الفنان باسل صالح، وموسيقا الفنان طاهر مامللي، توازعت مستويات عدة من صياغة راقصة حققها الكريوغراف «معتز ملاطيه لي» وقدمها غناء كل من «نورا رحال – ميثا»، و«ميس حرب – زهرة»، و«حسين عطفة – أسعد»، حيث لعب هؤلاء الثلاثة الأدوار الرئيسية.

عطاء لا يتوقف
رسالة واضحة قدمها فريق العمل إلى العالم مفادها أن السوريين لا يعرفون الهزيمة، وأن العطاء عندهم لا يتوقف، ولا يمكن لطيور الظلام أن تسكت أصواتهم، وتمنع عنهم الحياة، فمسرحية “الطريق إلى الشمس” رسالة رمزية تتناول تاريخ سورية وشهدائها عبر نص مسرحي مدعم بالوقائع التاريخية الموثقة المروية بأسلوب الشعر المحكي المقرب من مختلف الشرائح.
“الطريق إلى الشمس”، إنتاج مؤسسة “ميثا” للإنتاج الفني، وإعداد النص والأشعار كفاح الخوص، وألحان الموسيقار طاهر مامللي، عرضت لأول مرة في أيار العام الحالي بدار الاوبرا بدمشق.
السويداء– رفعت الديك