ثقافة

الفضائية التربوية السورية: احترموا عقول المتفرجين رجاءً.

مما لا يختلف عليه عاقلان، أن تبنّي المواهب الإبداعية ورعايتها والترويج لها، هي واحدة من أهم واجبات الإعلام على أنواعه “مرئي- مسموع- مقروء” ولو أن الإبداع والفن الحقيقي لا يخبئ نفسه حتى ولو تغير الزمان، لكن هذا الإعلام مطالب أولا عندما يتصدى لهذا الشأن الجسيم أن يكون مؤهلاً لهذا، قادراً على الحكم إن كان ما يقدمه هو موهبة إبداعية تستحق الرعاية والدعم، أم إن للواسطة والعلاقات العامة دورها الأبرز في هذا المجال؟.
للأسف الخيار الثاني هو ما اختارته قناة “الفضائية التربوية السورية”، عندما أقدمت في واحدة من فقرات برنامجها الصباحي “صباحك خير”على استضافة شاب ثلاثيني وقدمته بصفة شاعر وعازف عود منتمٍ لرابطة الأدباء الشباب!.
لو لم تكن المادة مصورة وبثت وشاهدها الناس لكان الحديث عنها كمن يحكي نكتة، فالشاب المسكين تكلم بقصد وبغير قصد عن بضعة أسماء دعمته ليقيم أماسي شعرية في المركز العربي في أبو رمانة وفي العديد من الأندية الثقافية الأخرى، وتلك الأسماء نفسها ربما هي من تقدم له أيضاً هذا الدعم الإعلامي بتعريف الناس على موهبته من على منبر التربوية الفضائية السورية، القناة التي من المفترض أن تكون مصداقيتها لا لُبس فيها، فهي معنية من اسمها بالشأن التربوي، والشأن التربوي الصحيح لا رياء فيه ولا مجاملات ولا ادعاء ما لا يوجد، فالشاب الذي قُدم على أنه شاعر وعازف وأحد أعضاء رابطة الأدباء الشباب، سيكون عليه أن يثبت ذلك في سياق الحلقة وهذا ما جرى:
عندما طلبت الزميلة من الشاب العزف على العود، بعد حديث عن دراسته الموسيقية التي امتدت سنوات خمس وعن علاقاته الشخصية بآلة العود الغالية والحميمية، اختار أن يعزف أغنية من أغاني “فيروز” بسيطة المقام الموسيقي والإيقاع السهل والتي يعتبرها أساتذة الموسيقى بمثابة تمرين موسيقي جيد للمتدربين المبتدئين على آلة العود، الشاب لم يعرف أن يعزف جملة لحنية واحدة صحيحة، وكان عزفه مزعجاً للأسماع بريشته الثقيلة على الأوتار وعدم معرفته بالمحسنات اللحنية التي تعطي للمعزوفة رونقها خارج إطار النوتة الموسيقية، وما عزفه بالتأكيد لم تكن “نسم علينا الهوى”، ثم ختم أيضاً بأغنية “لأم كلثوم” صدقاً لولا أنه قال ذلك، أي أغنية لأم كلثوم لما عرفت ذلك، حيث أن ما عزفه كان كل شيء إلا أغنية شهيرة جداً للست!.
الوضع لم يكن أفضل عندما أمسك الشاب بأوراقه ليهز وجداننا بأشعار قلنا لا ريب أنها جيدة، أن يكون عزفه سيئاً لا يعني بالضرورة أن يكون شعره كذلك، واليكم بعض ما جاء في قصائده:
كلماتنا ماتت على شفتيك يا رمحا يصير على السرير رهامة
فأنا أقول كلام عشق يقتل الأحلام قتلا فتستحيل غماما
يا نهدها قل من أنا؟ ألست من أعطاك في الهوى حجما ومراما
أترك لكم الحكم على ما سبق من شعر شاعرنا!.
أبدى الشاب حبه الشديد للأستاذ “نزار قباني” كما قال وأقر بأنه يحب قصائده التي يتكلم فيها عن الياسمين ودمشق ولذا فإنه يسرق منه، ليقاطعه الزملاء في التقديم ويشرعنوا ما تفضل به على قناة تربوية “سرقة أدبية”، بأن الاستعارة لا السرقة كما أجاب الشاب هي حق مشروع كما جاء على لسان زميلنا مقدم الفقرة.
في الحقيقة المؤسف في الموضوع هو الاستخفاف بعقول الجمهور الذي وصل بهم حدّ الاستهتار في تقديمهم عازف عود لا يعرف العزف، وشاعر لا شعر في جعبته بل كلاماً مصفوفاً بلا روابط أحياناً بوزن وأخرى بلا وزن.
الزملاء في التقديم بذلوا جهوداً مضنية فعلاً في محاولة “ترقيع” ما ارتكبه زملاؤهم في الإعداد من نكبات في هذه الفقرة التلفزيونية المباشرة التي حملت عنواناً عريضاً “الشباب الموهوب، طاقات متجددة تنبض بالحياة”! عنواناً براقاً وجميلاً ومشرقاً، لكن مضمونه محبط ومخيب للآمال ومحزن فعلا.
من أراد أن يقدم الدعم لهذا الشاب أساء إليه من حيث يدري أو لا يدري، فحبل الكذب قصير والإبداع المزيف جلي وبيّن وواضح.
بالنهاية لم ينس الشاب أن يشكر القناة على ما يتحفونه به في هذا البرنامج المليء بالمفاجآت.
فيا أيها الساقي إليك المشتكى.

تمام علي بركات