ثقافة

“بيضاء بيضاء” تحيي حدثاً هاماً وضخماً بعد عشرين عاماً لتنال منه!

آخر رواية للأديب زهير جبور بعنوان “بيضاء بيضاء”، صدرت عن دار السوسن عام 2009. تتناول حدثاً كبيراً في مدينة ساحلية صغيرة، حدث ستؤمه وفود من كافة أنحاء العالم وسيخطب فيه السيد الرئيس بعد دقائق، بدأت التحضيرات له قبل عام، وبطل الرواية صحفي يتابع كل تفاصيل الحدث أول بأول ويشهد على كواليسه التي لم يرها أحد.
لكن لم يذكر الكاتب السوري أن الحدث هو دورة ألعاب المتوسط عام 1987ولا أن المدينة التي تشبه القرية هي اللاذقية، ولا أنه البطل، فلماذا أبقانا في حالة من التساؤل والضياع حول نوعية الحدث طيلة الرواية! ولأي جمهور إذاً توجه بها، إذا كان للقارئ السوري فسيسهل عليه تفهم وتذكر الحدث ليتصور ما يروي، أما للقارئ العربي فسيضعه في متاهة لها بداية وليس لها نهاية وأمام فشل ذريع، فالقارئ ليس مضطراً لفك الشيفرات واستنباط أن نوع الحدث رياضي مثلاً!.
منذ الصفحات الأولى نلاحظ أن الرواية كتبت بأسلوب التقرير الصحفي الخبري البحت، الخالي من جماليات الصورة واللغة، ثم نجد أن ليس هناك شخصيات بملامح واضحة وسمات محددة وإنما أسماء وقصص قصيرة جداً مرت مروراً سريعاً في التفاصيل اليومية، حتى شخصية البطل لم تؤسس لخلفية لها ولا سمات كي ندرك ماذا تحمل من قيم، أو عن نوعية مواقفها عادة وإنما اكتفى بالمتابعة السردية الخبرية حتى صاغ الحبكة أخيراً وبسرعة كمخرج لشخصية الصحفي الحيادي الجبان كما وصف نفسه الذي لم يواجه وإنما صمَت، لكن حين أتيح له أن يعيث فساداً من خلال كتابة التقارير بزملائه كتب لصالح الحدث! أي انطلق بإصلاح الفساد من نفسه.
مدينة ساحلية جميلة وعريقة كاللاذقية مادة أدبية ضخمة، كلغة وصورة، وحدث استثنائي كدورة ألعاب المتوسط كان يمكن استغلاله بشكل أفضل لصالح الرواية بالرغم من أن الكاتب له أعمال أدبية سابقة هامة جداً وقدرات كتابية ضخمة لم تبرز أبداً هنا، لذلك الواضح أن الرواية كتبت على عجل وبعد تاريخ مهني وكتابي كبير، وتكريمات عربية واسعة.
هناك نظرة عدائية وتشاؤمية تجاه الحدث الهام والضخم الذي جرى وأعادت الرواية إحياءه بعد عشرين عاماً، لتنال من صورته الذهنية، وتزعزع مكانته، وحسب السرد ككل نستنتج أن العنوان العام الذي يريد الكاتب أن يبوح به “من برا رخام ومن جوا سخام” وليس “بيضاء بيضاء”ولمّح إلى ذلك بأن ذكر أن التحضيرات خلال العام كانت تهتم بيوم الافتتاح أي اعتنت بالقشور فقط.
لا تتوقف الأعمال يصلون الليل بالنهار، العمال يحتجون أحياناً بسبب الضغط، لكنهم يرضخون ويتابعون بقوة التسلط التي يسانده القانون الخاص بالحدث، وقد دخلت المواد المطلوبة وتوفرت، هي تهرّب، تباع بالسوق السوداء، والمدينة تواجه نقصاً في حليب الأطفال، الدواء، الخبز، وكل شيء لصالح الحدث دون سواه.
للأسف لم تتطرق الرواية لمزايا وأهمية الحدث وأبت أن توثق له عندما تجاهلت تسميته، وإنما انشغلت سطورها بتوثيق الفساد بكافة أشكاله وبأسلوب تقريري”كسرقة الطعام المخصص للمتدربين، إقامة المعسكرات في مناطق مكشوفة، الافتقار للإعلام المحلي، تجاهل إنشاء حمامات خاصة بالخيام التي ستستقبل المشاركين، تنحية الثقافة من الحدث، سرقة أموال الدولة  وتنظيف الآثار، التغطية على انتشار الكوليرا بسبب إهمال الخدمات في الحي الغربي من المدينة لصالح الحدث وغيرها” ورغم كل ذلك ليس الفساد موضوعاً تقوم عليه رواية ليكون البطل الحقيقي فيها، لأن هذه الأنواع من الفساد موجودة حتى الآن وفي كافة أنحاء العالم وإنما القمع الذي تم وصفه مبالغ به، وحتى المآسي التي سببها الفساد كان يمكن استغلالها بشكل أفضل أدبياً للتأثير في القارئ.
رأيت العمال يتراكضون بشكل عشوائي، كان المهندس مع مجموعة مسلحة، صرخ بمكبر الصوت: بالأمس ألقينا القبض على ثلاثة لصوص سفلة من رفاقكم حاولوا سرقة بعض المواد، قرر السيد المهندس معاقبتهم أمامكم لتتعظوا وتدركوا أن أموال الحدث العظيم ليست للنهب ولن يسمح بذلك.
أحضروا المتهمين نصف عراة تمددوا على الأرض، رفعت أقدامهم للأعلى، بوشر بالضرب بكرباج خاص لمثل هذه العقوبات، بدأ صراخهم يتعالى، بكاؤهم يتصاعد، غادرت المكان مسرعاً، قذفت بالمحفظة لتي أحملها بداخلها أوراقي – الكاميرا.
تفتقر الرواية إلى وجود بداية واضحة وتأسيس للشخصية البطلة، حيث نقلنا الكاتب من لحظة الافتتاح ليسرد لنا منذ بداية عام التحضيرات، وإلى وجود فقرات وفصول واضحة.
“بيضاء بيضاء” آخر أعمال الأديب زهير جبور عضو اتحاد الكتاب العرب، له العديد من المجموعات القصصية وله روايتان، مياه آسنة من أجل الإسفنج، و”موسيقا الرقاد” التي حصلت على جائزة الجولان للإبداع الأدبي عام 2001.
حلا خيربك