ثقافة

صمويل بكيت.. من رموز مسرح العبث

أحدث مسرح العبث أو اللامعقول ثورة جذرية مسّت جوهر المسرح حيث تفّرد كتّابه بأساليب جديدة و منفردة. وقد جاءت ولادة هذا اللون المسرحي المتميز استجابة لمعطيات موضوعية وتاريخية، وكذلك انعكاساً لهموم ذاتية ونفسية سكنت رواد هذا التيار وشغلتهم بكل المقاييس، فهو أكثر المسارح الحديثة تحرراً من القواعد وتجاوزاً للأصول الدرامية التقليدية، كما أن ثورته الفكرية والفنية خلخلت المفاهيم الجاهزة والمتداولة، ووضعت الإنسان بتقدمه العلمي وحداثته في موقع لا يحسد عليه، علاوة على أن ولادة هذا المسرح الطليعي قد فجّرت أسئلة مرحلية مقلقة ومحيّرة. ومن رواد مسرح العبث صمويل بكيت (1906-1989) وهو كاتب مسرحي وروائي وناقد  وشاعر ايرلندي، وأحد أشهر الكتّاب الذين ينتمون للحركة التجريبية الأدبية في القرن العشرين، ولحركة حداثة الأنجلو، وكان رمزاً من رموز مسرح العبث، وأحد أكثر الكتاب تأثيراً في عهده، كان يكتب أعماله باللغتين الفرنسية والانكليزية. شهد وجود الروائي الايرلندي الشهير جيمس جويس وعمله الأكثر شهرة (في انتظار غودو). أعماله متميزة وتعتمد بشكل كبير على الكآبة والسواد، وتتجه دائماً نحو البساطة. ووفقاً لبعض التفسيرات لنوعية أعماله فهو بالفعل يميل إلى التشاؤم حول وضع الإنسان. هكذا ومع مرور الوقت أصبحت أعماله  أكثر إيجازاً تدريجياً. كان يهوى مشاهدة الأفلام الأمريكية الصامتة وكان لهذا النوع من السينما أثر كبير على أدبه فيما بعد. حيث أسسّ مسرح العبث أو اللامعقول ويعد الصمت أحد مميزات هذا الفن. وفي عام 1930 كتب بكيت دراسته عن الروائي الفرنسي مارسيل بروست صاحب رواية “البحث عن الزمن المفقود”. وفي عام 1933توفي أبوه وفي هذه الأثناء كتب المجموعة القصصية (وخزات أكثر من ركلات) وهي قصص تدور عن مغامرات طالب ايرلندي يدعى بيلاكوا . و في عام 1935 كتب روايته الأولى (مورفي) و بطلها شخصية مضطربة و حائرة بين الشهوة و هدفه في الوصول للعدم العقلي بعيداّ عن الواقع و في عام 1937 تعّرف إلى طالبة البيانو الفرنسية سوزان ديكوفو دوميسنيل و أصبحت زوجته . و حينما اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية عاد بكيت إلى فرنسا و اشترك في صفوف المقاومة هناك ( كمراسل و مترجم ) و بعد تقدم الألمان ، و اكتشافهم للخلية التي يعمل بها هرب بكيت إلى جنوب فرنسا و عمل مزارعاّ ، و في هذا الوقت كتب روايته ( وات )، وبعد هزيمة الألمان، عاد بكيت إلى باريس. وفي عام 1946 كتب روايته (ميرسيه وكاميه) وتدور حول عجوزين يتواعدان للقيام برحلة إلى الريف وما إن يصلا هناك حتى يشعرا بالحنين للمدينة ويستمر هذا الارتحال المتواصل. أتمّ بعد ذلك ثلاثيته الروائية الشهيرة (مولوي) (مالون يموت) (اللامسمى)، كتب الروايات باللغة الفرنسية ثم ترجمها إلى الإنكليزية. وفي عام 1947 كتب أيضاً مسرحيته الشهيرة (في انتظار غودو) والمسرحية تدور حول شخصيات مُعدمة ومُهمشّة ومنعزلة تنتظر شخصاً يدعى (غودو) ليغيّر حياتهم نحو الأفضل، وبعد فصلين من اللغو والأداء الحركي والحوار غير المتواصل لا يأتي غودو أبداً، المسرحية  مُحمّلة برموز دينية مسيحية، هذا غير اعتمادها المكثف على التراث الكلاسيكي الغربي، والمسرحية تُعبّر بصدق وببشاعة عن حال إنسان ما بعد الحرب العالمية الثانية، والخواء الذي يعاني منه العالم  إلى الآن، كما ترمز المسرحية إلى العلاقة اللامتكافئة بين السيد والعبد وانتظار الخلاص من ( غودو ) الذي قد يأتي أو لا يأتي. إن لجوء كتّاب مسرح العبث إلى الرمز كان الهدف من ورائه هو تجسيم عوالم جديدة لم تُطرق من قبل. وهكذا تبدو الحياة من خلال الأسلوب الرمزي حلماً والواقع مسرحاً كبيراً.
وفي عام 1951 كتب المجموعة القصصية الرائعة ( قصص ونصوص من أجل لا شيء )، ثم نشر مسرحية ( في انتظار غودو) عام 1952 وفي العام اللاحق تم عرض المسرحية في باريس ولاقت  نجاحاً باهراً، ومن هذه اللحظة أصبح بكيت مشهوراً ومعروفاً في كل أنحاء العالم.وفي عام 1954 كتب مسرحية ( نهاية اللعبة )وهذه المسرحية تدور حول شخصيات مُصابة بالعمى والشلل وتعيش في صناديق القمامة أو مكتوب عليها العمل الدائم دون الحصول على راحة . وفي عام 1958 كتب مسرحية ( شريط كراب الأخير). والمسرحية تتميز بخصوصيتها الشكلية لأنها تقوم على المونولوج فقط وبطلها شخص واحد، ومضمون المسرحية يدور أيضاً حول العزلة والشيخوخة والعجز النفسي .وفي نهاية الخمسينات توجه بكيت للكتابة الإذاعية وفي عام 1969 حصل بكيت على جائزة نوبل للأدب. قضى بكيت فترة الثمانينات منعزلاً في بيته الهادئ وكان أحياناً يتردد على مقهى قريب ليلتقي برفقة أدبية صغيرة ، وفي عام 1989 ماتت زوجته سوزان وبعدها بشهور في 22 أيلول 1989 مات بكيت بعد تعرضه لأزمة في جهازه التنفسي. يعد بكيت أهم كتُاب القرن العشرين في مجالات المسرح والرواية، وهو بأدبه الممتد لفترة 60 عاماً، يُعبّر أصدق تعبير عن مشاكل إنسان هذا العصر. وهكذا فإذا كان رواد مسرح العبث قد نجحوا في تبليغ رسالتهم الفكرية والفنية المتمثلة أساساً في عبثية الوجود التي تجعل الخير والشر سيان، الموت والحياة صنوين، السعادة والشقاء مترادفين، فإن هذا ما يجعل الفوضى هي المتحكمة في هذا العالم.

إبراهيم أحمد