ثقافة

“فادي” مداد الشهادة ونورها الأبدي

طاب مقامك يا فادي، المقام الأرفع والأرقى، طابت الشهادة لك، إلى علياء المجد رحلت يا فادي، وفي سدرة نهاره السرمدي المشرق ستبقى حكاية وجعٍ لا ينتهي، ومداد من الحبر القدسي من رحيلٍ كان عليه أن ينزل كالصاعقة على الأذن البشرية لولا غيبوبتها الدائمة، وكأنها تنام في كهف الجاهلية الحمقاء، أي جاهلية أقسى من أن ترى جندياً من الجيش العربي السوري يُدهس بدبابة الظلم الجائر منذ بداية الأزمة إلى الآن.
إلى علياء المجد رحلت يا فادي أيها الجبل الشاهق فوق مساءات الظلم القاهر، أيها البطل الشامخ فوق تلال  المحبة والسلام، لقد قتلوك هناك على تخوم البربريّة، قتلوا الورد وبقي عطره شاهق الوعدِ، بقي جميل الوجدِ رغم الجراح، رغم لهيب الاحتراق، وكابوس الوحشية، وحشية الدهس، بقيت  كقصيدةٍ كُتب لها ألا تموت، كُتب لها أن ترتقي فوق أكتاف المجد، أكتاف العزّ الذي لا يضاهيه عزّ في الكون.
إلى العلياء كان مشوارك القدسي، مشوار الحياة التي لا تعرف دروب الموت،  دروب النهاية، إنها البداية ونحنُ من يعشق نور البدايات، نحنُ وإن ارتقى فادي شهيداً، بقي علامة فارقة كما حكاية كل شهيد، بقي كنور الأبجديات الذي لا يموت، بقي قبساً من النور يتسع كلما لاحت ذكراه في الأفق وذاكرة الأحبة، لاحت كالشمس نورها أحرف وردية الاهتداء، وردية السمو والمعاني العليا السامية.
إلى علياء المجد رحلت  يا فادي، ماذا نقول لخريف الأيام الثاكل، ودمعه الكاحل الذي يجري على خد الأزمان، أيحترق الوقت عندما تخترق رصاصات الموت جسد أيامنا وحياتنا، عندما يخترق جسد أحبائنا، عندما يخترق الموت دوائر الأمل  لدينا، وتبقى حياتنا كأنها الطور الذي لم تمت به سنوات الحياة، لم تمت حكايات النور وزيتونه الأقدس، ولم يمت الوردُ والعطر باقٍ كشاهقات وعدٍ تذكرنا بك يا فادي،   تذكرنا بفلسفة انتظار الصبح ووقته القريب، وقته الحالم الذي يشرق من نوار شهادتك يا فادي وعبقها المقدس.
ماذا نقول في حضرة الموت الظالم؟! في حضرة المشي على الجمرات وتذوق سفرجل الأيام، سفرجل الظلم البربري. ماذا نقول في حضرة حدوث أبشع الجرائم،   أي اللغات تكفي لكي نرثي فادي وغيره من أبناء النور الحقيقي، أبناء الأرض وثقافة التثبّث. كيف نكتبُ عن ألمٍ يعتصر في القلوب؟! كيف قتلوك يا فادي؟! كيف كشفوا عن أنيابهم الكاسرة والوحشية.
فادي أيها النور الباقي فوق جبين الأيام، فوق غرة الأزمان، كيف نرثي بناة الأرض الممجدة التاريخ، بناة الفجر ومن يدافع عن أنواره، عن جماله القدسي وصلاته الأطهر.
كيف نرثي من أشرق الوطن بنور شهادته وكتب عنوانه الأبقى، هم قتلوك بتلك الدبابة، وبعقولهم التي تحمل بربرية الجهل الأخلاقي، بربرية كل شيء لم يقترب من إنسانية الإنسان. أي كلام ينفع هنا، في حضور الخبر الاستشهادي الصاعق؟! أي كلام ينفع عندما يُقتل أبناء الأرض الحقيقيون، أبناء النور الأول والحكاية الأولى، حكاية  التراب المقدس الذي لا يزول ولو زالت الجبال، ورحلت الأيام.
بقيت يا فادي كقصيدة البقاء معمّدة بدمع الرحيل، بقيت كقمحٍ  نما زرعه على شط العزّ والمجد الإلهي، نما باسقُ زيتونه السرمدي على حدود الأبدية، على حدود نهارات الحياة الخالدة حقاً.
منال محمد يوسف