ثقافة

فن “النحت” تاريخ فني متجذر في الحضارة

عرف فن النحت قبل 4500 سنة قبل الميلاد، هو فن تجسيدي يرتكز على إنشاء مجسمات ثلاثية الأبعاد باستخدام الجص أو الشمع، أو نقش الصخور أو الأخشاب، ولتقديم النحت كجزء هام من تراثنا، فقد خصصت الدورة التدريبية “إعلام ثقافي.. تغطية متخصصة..حضور فاعل” التي أقيمت في ثقافي أبو رمانة يوماً من أيامها للحديث عن النحت وكيفية تعاطي الصحفي مع الفعاليات الفنية، ومن أقدر من الفنان الراقي أكثم عبد الحميد لإعطاء النقاط الرئيسية التي يجب التركيز عليها من قبل الإعلامي في الملتقيات الفنية النحتية.
تاريخ الفنون
بدأ الفنان عبد الحميد حديثه بالتركيز على تاريخ النحت، موضحاً أننا في عصر الصورة ومن المهم جداً نقل أي حدث ثقافي، لذلك مهمة كل إعلامي أن يكون على معرفة حقيقية بالتاريخ الفني لسورية التي انطلق منها أول عمل فني بالعالم، وامتدت على مدى عشرات السنين تاريخياً، لكن أين هو فن النحت اليوم من الفنون؟ هل الشعب لا يحب الفن؟ وما السبب الذي يمنع انتشار الثقافة البصرية؟
من واجب كل إعلامي أن يمتلك فكرة عن تاريخ الفن على هذه الأرض ليستطيع التفكير والبحث عن أي ثقافة فنية وافدة من الخارج وتطرح على الأرض، لذلك من المفروض عندما يتخصص الإعلامي في مجال الفن عليه أن يختص لمدة سنة بتاريخ الفنون والحضارات في المنطقة والتعمق بها، ماذا قدمت وبماذا تختلف بالنسب الجمالية، مثلاً الفن الفينيقي الذي امتد لكل بلدان العالم من خلال رحلات الفينيقيين وتجارتهم ونقل فنونهم كانت نسبة الرأس للجسم للأعمال النحتية 1\12 فكانت الأعمال ممشوقة بعكس اتجاه الحضارة الآشورية البابلية التي كانت نسبة الرأس للجسد 1\4 فكلما كان الرأس قريباً إلى الجسد كان هناك قوة ورصانة في العمل، إذاً هناك ثقافتين مختلفتين للرؤية والفلسفة الفنية مع أنهم كانوا على أرض واحدة على الساحل السوري، فهناك الكثير من الأشياء التي يجب أن يعرفها الإعلامي ليستطيع محاورة الفنان ومناقشته في أي ملتقى أو فلسفة ثقافية فنية وافدة لهذا البلد.
وإن كان الإعلامي يريد تقديم مقالاً عن الاختصاصات الفنية في مجال التصوير الزيتي أو النحت أو الفنون التطبيقية الأخرى يجب أن يكون لديه إلمام بسيط ولو بتقنيات خفيفة فهذه الأمور تساعده على صياغة سليمة تسهل وتقوي الذائقة الفنية البصرية، وتسهل فهم المواطن الفني للعمل لأن الإعلام أصبح متوفراً في كل لحظة ولأي حدث.
متابعة العمل
وعن أهمية تواجد الصحفي في مكان الحدث أشار عبد الحميد إلى ضرورة وجود مؤتمر قبل أي ملتقى ليسمع الإعلامي رؤية المنظمين وأهدافهم وماذا يريدون أن يطرحوا؟ ولمن هي موجهة؟ وهل الهدف هو فقط إنشاء أعمال فنية أو اجتماعية ثقافية، ويضيف: إن التتابع  للعمل الفني مفيد للإعلامي فكيفية تطوير الكتلة والمفاجآت التي تصادف الفنان تعطي صياغة ودراسة فنية بعيدة كل البعد عن الإنشاء، مثلاً هناك بعض المقالات تكون مجرد كلام مع صورة وحيدة للعمل، هنا يوجد خطأ تقني إعلامي كبير فهو لا يستطيع أن يوصل الصورة بشكل صحيح لأنه يتعامل مع ثقافة بصرية قبل أن يتعامل مع ثقافة سمعية، فالمادة الإعلامية يجب أن تقدم عدة أعمال فنية للفنان وأن يكتب بشكل مقتضب عنه، وعن الحدث المقام أفضل من الكتابة بشكل عشوائي أو إنشائي التي لا توصل الفكرة والأسلوب المتبع للفنان والعمل الإبداعي، والشيء ذاته ينطبق على الصحافة المرئية التي تقوم بتناول العمل الفني من زوايا معينة مُهْمِلة زوايا فنية أخرى من خلال مرور عابر، فالإعلامي يكون غير قادر على التمييز بين الأعمال القادمة من مدارس أوروبية أو من مدارس أخرى، وهنا أريد أن أشير -يتابع عبد الحميد- إلى ضرورة أن يتمتع الإعلامي بثقافة تقنية في مجال الفن، للكشف والتمييز إن كان مفيداً للبلد وذو تأثير يساعد على الرؤية الثقافية وتوسيع الثقافة البصرية للمواطن. وهناك الكثير من الدراسات الخاطئة في مجال العمل الفني. مثلاً في التسعينات كان هناك معرض بعنوان “النحت والأسطورة” قدم فيع العديد من الفنانين مجموعة أعمال فنية استعانوا فيها بعدة أنواع من الصلصال كالأبيض والأحمر، حيث يدخل إلى الفرن بحرارة معينة وقال أحد الإعلاميين واصفاً المعرض بأن الفنانين استخدموا مادة الجص مع الفخار، وهذا خطأ تقني كبير لأنه يفجر العمل الفخاري، لذلك يجب على الإعلامي أن يقوم بزيارات متكررة للفنان ومتابعة تطور عمله حتى يكتمل لينجز مادة إعلامية خالية من الأخطاء.
النحت الجنائزي
ولأن أغلب تراثنا من النحت، فقد لفت الفنان عبد الحميد إلى أنه مهما عملنا في العصر الحديث من نحت فهو لا يشكل 10% من المنتجات الإبداعية للحضارات القديمة خاصة الحضارة التدمرية، فالفن انتشر بين العائلات التي كانت تقف أمام النحات كما تقف أمام المصور الفوتوغرافي وكأنها تأخذ صورة تذكارية، بالإضافة إلى الاعتزاز بالنحت الجنائزي وهو تقديم بورتريه ووضعه عند قبر الميت وأدى ذلك إلى الكثير من الحروب بين العائلات فأصبح لديهم غنى هائل في هذا المجال.
المكان المناسب
ولأن الفن هو عنوان ارتقاء الشعوب نفسياً ، والتراث الفني لأي شعب يعكس ثقافة هذا الشعب، ونوه عبد الحميد إلى أهمية وضع المنحوتات في مكانها المناسب قائلاً: يقام الملتقى النحتي بناء على توسيع الثقافة البصرية، والجمهور تعوّد أن يرى فن النحت في المعارض والمتاحف أو على التلفاز، أما في الهواء الطلق فيستطيع الإعلامي مرافقة الفنان ومراقبة تطور الكتلة المخصصة للشكل التكويني للعمل، وكيفية معالجة الفنان لهذا العمل من كل جوانبه حتى يصل إلى مساره التشكيلي الأخير. وفي الواقع، إن العمل الثقافي مرتبط بثقافة صاحب القرار، فالعمل الفني يكلف الملايين وللأسف لا يُسمح للفنان أن يختار المكان المناسب له، فتقوم البلديات باستلامه أو تقوم وزارة الثقافة بتسليمه إلى المحافظة وبدورها ترسل مهندسين يقومون بدورهم في التوزيع. ويجب أن يعرض العمل النحتي على قاعدة مع إضاءة بمساحة كافية ليشاهد من قبل الجميع، والمعاناة اليوم أنه لا يوجد تعاون مع بعض الجهات المسؤولة ولا يوجد هيئة أو مجلس استشاري يكون له علاقة ببعد استراتيجي لإعطاء رأيها الفني.
كلمة أخيرة
كل عمل له مفتاح وقراءة بصرية وانسجام، وتوسيع ثقافة الإعلامي يجعله ناجحاً وبمقابلة الفنانين وزيارة الملتقيات ومتابعة الانترنت يصبح ناقداً مهماً، فالجمال هو الشيء الذي يحرك المعنى ويجعلنا نسعى لمعرفته ويجب على الإعلامي أن يترك المشاهد يقدم قراءة بصرية للعمل دون شرح له.
جمان بركات