ثقافة

أمسية موسيقية شارك فيها أطفال بعمر الثلاث سنوات مشروع تطوير وتحفيز القدرات تجربة سورية فريدة

يقول بيتهوفن: “علِّموا أطفالكم الموسيقا لأنها كانت عزائي أيام شقائي” أما الفيلسوف والمربي الياباني الشهير سوزوكي فيعتبر الموسيقا من أفضل الطرق لتأسيس شخصية الطفل. من هنا كان من الضروري بعد نجاح الأمسية الموسيقية لأطفال مشروع تطوير وتحفيز القدرات لدى الطفل عبر الموسيقا، والذي يشرف عليه في معهد شبيبة الأسد الباحث الموسيقي نورث نابوتي والتي أقيمت مؤخراً في مركز ثقافي العدوي تحت شعار “الموسيقا فضيلة تنير القلب والروح”، الوقوف على تفاصيل المشروع وأهميته بعد الأثر الكبير الذي تركته هذه الأمسية في نفوس الحاضرين الذين سمعوا وشاهدوا أطفالاً في عمر الثلاث سنوات وهم يعتلون خشبة المسرح ليغردوا بأغنيات جميلة لفيروز تارة، وليعزفوا مقطوعات موسيقية تارة أخرى.
الفطرة الموسيقية مكتسبة
حين رفع الباحث نورث نابوتي في مشروعه شعار “الموسيقا للجميع” كان يعني كما أكد في حواره مع “البعث” أن أي طفل سليم من الناحية البيولوجية يمكنه أن يكتسب هذه القدرة، في حين ولوقت قريب كان يُعتَقَد أن القدرة الموسيقية عند الإنسان قدرة موّرثة، وأن تعلم الموسيقا محصور في نطاق من يتوارث هذه القدرة، موضحاً أن الدراسات والأبحاث الحديثة وتطبيقات المعهد في مشروع تطوير ذكاء الطفل أكدت أن الفطرة الموسيقية مكتسبة مثل تعلّم الطفل للغته الأم.. من هنا كان شرط اكتساب القدرة الموسيقية لدى الإنسان في إطار المنهاج المقرر في المشروع تعلمها في سن مبكرة جداً (من الولادة حتى سن الست سنوات) حيث أن تجربة المشروع أكدت أن النتائج تكون في أعلى مستوياتها كلما كان التعلم أبكر، مبيناً أن مشروع تطوير وتحفيز قدرات الأطفال من خلال تعليمهم الموسيقى في سن مبكرة أو من خلال الاعتماد في التعليم أسلوب متميز في إكساب الأطفال والطلاب القدرات الموسيقية (الذكاء الموسيقي) كما يتم من خلال المشروع تطوير هذه التجربة للاحتمالات التعليمية والمعرفية كافة كالذكاء الرياضي المنطقي، الذكاء المكاني، الذكاء اللغوي، الذكاء الاجتماعي والذكاء الحركي، إضافة إلى الذكاء الموسيقي، وصولاً للذكاء العام.
ويشير نابوتي إلى أن المشروع يتبع في التعليم سلسلة مناهج الموسيقى للجميع التي تستهدف تعلم وتعليم الموسيقى بهدف تنمية قدرات الطفل (الطالب) الموسيقية من خلال التعلم والتعليم المبكر وتأسيس قدرات التحليل السمعي واكتساب الذكاء الموسيقي كون القدرة الموسيقية هي استعداد فطري يمكن اكتسابه من خلال منهجية مبرمجة، وعليه فإن تعلم اللغة الموسيقية كقراءة وكتابة يأتي في مرحلة لاحقة وبدون أية صعوبات وعلى غير ما يعاني منه الأطفال (الطلبة) الذين تعلموا الموسيقى بالأسلوب التقليدي، مؤكداً نابوتي أن الموسيقى لغة، والطفل يتعلم لغته الأم بالاستماع والمحادثة، ثم يتعلم القراءة والكتابة وفق قواعد لغته الأم، وبالتالي فإن المنهاج يسير وفق تراتبية تعليمية محكمة ومبرمجة، منوهاً إلى أن أسلوب التعلم في المشروع تميز بتطبيقه لجملة من المعارف وهي الحصاد السمعي وتطبيق النغمية في التعليم والإرشاد الأسري، وتطبيقات علم نفس النمو عند الطفل وعلم النفس الموسيقي وعلم نفس التعلم والتعليم والإرشاد.

نتائج مذهلة
ويؤكد نابوتي في ختام الحوار أن المشروع تجربة سورية فريدة على الساحة السورية والعربية، وقد بوشر بها منذ بداية التسعينيات وحققت نتائج مذهلة من خلال الإحصائيات، والهدف من هذه التجربة برأيه توظيف قدرة الموسيقا وتعلمها المبكر منذ لحظة الولادة حتى بناء شخصية متميزة للإنسان إبداعاً وتفكيراً وتخيلاً، وهو أسلوب متبع في عدد من دول العالم المتقدمة، ورائده الفيلسوف المعاصر د.شيشي سوزوكي ويهدف إلى تحفيز وتطوير قدرات الأطفال من خلال منهج يتصف بمعايير دقيقة من حيث تدرجه مع نمو الطفل وتفكيره وذلك بمساعدة الآباء ليشكلوا فريق عمل متناغم مع المؤسسة التعليمية أيضاً من خلال برامج إرشادية وتربوية وتعليمية خاصة تسهم في بناء طفولة مبكرة بناء صحيحاً يدفع بالوطن للتطور والارتقاء، موضحاً نابوتي أن من يعمل على تنفيذ البرنامج معلمات ومعلمون التزموا عملية التدريب والإرشاد فوصلوا إلى ما يسمى “كفايات المعلم” القائم على تنفيذ البرنامج، ويكون للمتابعة والإشراف والتقويم الشهري من خلال المستشار التربوي والتعليمي في المعهد  الدور الكبير في تقييم ما يتم إنجازه.

تقوية شخصية الطفل
أما أ.جيهان نصري المعلمة ضمن هذا المشروع والتي قدم أطفالها الأمسية فتبين أن الأهداف الأساسية لتعليم الطفل الموسيقا بسن مبكرة هي توظيف هذا التعليم في رفع مستوى الطفل من نواحٍ عديدة أهمها: التآزر السمعي والبصري والسيطرة على العضلات الدقيقة وتعلم اللغة من خلال الاستماع والنطق والغناء ودفع الطفل إلى حب التعلم والاكتشاف والاعتماد على الذات والاستقلالية، إضافة إلى توطين إيجابيات عديدة لدى الطفل لبناء إنسان فاعل في المجتمع، مبينة أننا نستطيع جني كل هذه الفوائد عن طريق اتباع منهج وأسلوب معين يساعد الطفل على الحصول على تلك النتائج بطريقة سهلة وممتعة كتطبيق برامج الحصاد السمعي والإصغاء الموجه الذي يعزز القدرة والذاكرة الموسيقية عند الطفل، وبالتالي التحفيز الفعال لقدرة الطفل السمعية، بالإضافة للحمام الموسيقي المنزلي اليومي أو شبه اليومي وإغناء البيئة الدرسية بالغناء والتكرار والنشاطات المنوعة، وتنوه نصري في ختام كلامها إلى دور الحفلة الموسيقية في تقوية شخصية الطفل وإعطائه ثقة إيجابية بالنفس.

نورث نابوتي
يُذكَر أن أ.نورث نابوتي وفي العام 1990 بـاشـر بوضع منـهـاج لتعليم وتعـلم الأطـفال المـوسيـقـى في سـن مبـكرة (من الولادة) ليطور في العام 1996المنهاج المقرر للطفولة المبكرة في التعليم الموسيقي، أما في العام 1997 فقد تم اطلاع فريق من اليابانيين المختصين على تجربة تعليم الأطفال الموسيقى في سن مبكرة وعلى نظرية تطوير قدرات الأطفال التي وضعها، وفي العام 2000 تمت مناقشة النظرية وتجربة التعليم المبكر في معهد دمشق في مجموعة من الأكاديميات والمعاهد الموسيقية اليابانية على رأسها معهد سوزوكي ميثود وأكاديميات ياماها وكاواي وجامعة سنزوكو وكونوتاتشي وجامعة طوكيو.
أمينة عباس