ثقافة

أصبح بيننا وبينكم شراكة

تمام علي بركات

قامت زوجة احد العسكريين الروس والمقيمة في عاصمة بلادها موسكو، والتي يخدم زوجها في القاعدة الجوية الروسية في سورية، بتسمية ابنتها المولودة “سورية” فالبلد الذي يتكرر كثيرا في حياتها إن كان في انتظارها لزوجها ورسائلها منه واتصالاته أيضا ووقع الكلمة الجميل على السمع “سورية” كل ذلك جعلها تتوج وليدتها بذلك الاسم.
الطفلة ولدت في النصف الثاني من شهر تشرين الثاني، ما يعني أن الأم كانت محتارة في اختيار الاسم ، لكنها قد تكون حسمت أمرها بعد ارتقاء طيار روسي أول من أمس وامتزاج دمه بالتراب الممتزج بدماء الشهداء السوريين، ما يعني أن العلاقة ليست تحالفا عسكريا وقواعد جوية بل هي شراكة دم ومصير في وجه قوى ظلام عالمية، إن المواطنة الروسية التي أصبحت أماً الآن لفلذة كبدها التي اسمها “سورية” إذ تختار لابنتها أسما كهذا-ونحن عادة نسمي أبناءنا بما نحب لأننا نحبهم كثيرا-إنما تكشف عن مزاج شعبي روسي عام محب لسورية، ومدرك لطبيعة هذا الصراع وبأنه فعلا يتهددهم مثلما يتهددنا، مثلما قد يتهدد أي بلد في العالم لديه اعتراض على “الكنتاكي والماكدونالد والوهابية”وغيرها من السلع الأمريكية، فلقد واجهوا منذ سنوات عدة حربا ضروسا في الشيشان من نفس الأطراف ومن نفس القوى والممولين ومن ذات الظلاميين أنفسهم، حرب ضروس كانت واحدة من فصولها حادثة المسرح الروسي الشهيرة، فأعداء الفنون هم ذاتهم اليوم من يدمرون تحف الهواء الطلق من أوابد تدمر، وهذه السيدة الروسية هي أم من أمهات ذلك الشعب الذي اختبر جيدا تلك البربرية العثمانية والهمجية الطورانية، منذ غزوهم وطمسهم لحضارة بيزنطة”عاصمة الروس الأبدية ” وبعدها طمسهم لحضارتنا نحن لأربعة قرون ليصبح كل تخلف وفتنة ومرض اجتماعي في أوروبا الشرقية أو في بلادنا سببه الاحتلال العثماني، تلك الدولة التي أوشكت على الانتهاء بعد عقود قليلة من بدايتها، شأنها في ذلك شأن التتار الذين هم نسخة لاحقة عنها في الأصول الجغرافية وفي المواصفات، لكن الغرب كله كان يتفق على إطالة عمرها وإعطائها المنشطات فقط لتبقى سدا في وجه نهوض روسيا، وليس آخر ذلك حرب القرم عام 1856، عندما وقفت فرنسا وبريطانية معا إلى جانب الدولة العثمانية ضد روسيا.        من المفروض منطقيا أن نكره أسماء المناطق والبلدان التي نخشى فيها على أحبابنا خصوصا وأن زوج هذه السيدة الروسية يخوض حربا في بلد بعيدة، فيكفي أن يكون من نحب في بلد بعيد فقط لنكره ذلك البلد، لأن اسمها يرتبط بالفراق وهي السبب أنه ليس هنا، فكيف إذا كانت بعيدة وفيها حرب تدور أيضا، أقل ما تسبب فيه هذا البعد أنها ولدت طفلها الأول وهي وحيدة، فما الذي يدفعها إلى مخالفة كل تلك المشاعر الإنسانية، لتعبر عن حبها لـ سورية بتسميتها لابنتها باسمها، ذلك الحب يكشف عن صداقة عميقة وحقيقة وأصيلة بين الشعبين الروسي والسوري، حقا كما قال المثل العربي: “الصديق قبل الطريق”.
وعلى سيرة الطريق،قد لا يعلم أحد باعة القهوة على طريق “جبلة –اللاذقية” أن ذلك الجندي الذي لوحته شمس جبلة والذي نزل من سيارته ليشتري كوب قهوة من كشكه وأن هؤلاء الجنود الروس قد يكون أحدهم “أبو سورية”.
يا أمهات الشعب الروسي لقد أصبح بيننا وبينكم شراكة.