ثقافة

الفنانون التشكيليون: “وطننا لنا.. والدفاع عنه حق علينا” أمالٌ معقودة على اتحاد الفنانين التشكيليين عشية مؤتمرهم العام

على الرغم من أن الفنان التشكيلي منِتج للجمال والإبداع ومدفوعاً بذاته، إلا أن القليل من الدعم لن يعكر صفو عطائه، بل سيدفعه بخطوات واثقة، وهذا الدعم جزء من مهام اتحاد الفنانين التشكيليين باعتباره مؤسسة فكرية إبداعية ترعى المنتسبين إليها، لكن الطرفين يتبادلان اللوم والتقصير، فالاتحاد على خلاف مثيلاته من الاتحادات والنقابات لا يملك حتى صندوقاً للتقاعد!! وكذلك من الطرف الآخر لا يلتزم بعض المنتسبين بدفع اشتراكاتهم!.

تاريخ
وفي يوم المؤتمر العام لاتحاد الفنانين التشكيليين لابد من معرفة مواطن التقصير لنعرف حجم الآمال المعقودة على مؤتمر يحمل شعاراً عالي القيمة “وطننا حق لنا والدفاع عنه حق علينا” وهذا ما وقفت عنده “البعث” من خلال لقاءاتها مع عدد من الفنانين التشكيلين عشية المؤتمر حيث تحدث رئيس فرع درعا الفنان محمود جوابرة وهو من أعضاء اللجنة التي صاغت المفردات الأدبية للاتحاد، فأعطانا لمحة عن تاريخ الاتحاد إذ قال: تأسست نقابة الفنون الجميلة في البداية من ثلاثين فناناً عام 1968، وألحقت بنقابة الفنانين تبعاً للمرسوم التشريعي /162/ الذي أصدرته الدولة، وأصبحنا نحن وجماعة الدراما نعمل تحت قانون واحد، وحينها بدأ مجموعة من الفنانين الرواد من الجيل الثالث “غازي الخالدي وفاتح المدرس وآخرون يعملون ضمن الإمكانيات المتاحة وحصلوا على صالة الشعب للفنون الجميلة التي هي حالياً المقر الوحيد للاتحاد، ولقبت نقابة الفنون الجميلة كمؤسسة ثقافية مهنية، لكن في الواقع يجب أن تسمى مؤسسة ثقافية إبداعية، وأن تكون تابعة لمكتب الإعلام والثقافة وأعتقد أنه أحد أحلامنا المستقبلية التي يمكن أن نشتغل عليها.
ويتابع: في بداية الثمانينات استطاع فاتح المدرس ومجموعة من الفنانين تأسيس ما يحلم به الفنان التشكيلي، وقد انتسبنا في الثمانينات إلى نقابة الفنون الجميلة، وشكلنا فروعاً في المحافظات السورية حيث أصبح لدينا 14 فرعاً، وبدأنا في البداية باشتراكات بسيطة لا تكفي راتب الموظفة التي تعمل معنا، وبدأنا بالتحول إلى نقابة إبداعية في 26-12-2004، وصدر القانون /55/ وتحولت من نقابة فنون جميلة إلى اتحاد فنون تشكيلية، مثله مثل اتحاد الكتاب.
ويضيف جوابرة: هناك خمسة اختصاصات في الاتحاد هي “النحت والتصوير والحفر والغرافيك والاتصالات البصرية والديكور”، ويفترض أن يكون لكل اختصاص جمعية، لكن عملياً ما تم هو تغيير الاسم فقط دون تطبيق، القانون نظرياً من أروع ما يمكن، لكنه لا ينطبق مع الواقع، نضع شعارات لكن في الواقع غير قادرين على تحقيقها فهي وهمية ولا تحقق جزءاً من أحلامنا، والمشكلة تكمن في القائمين على إصدار القوانين ولم يستطع الاتحاد أن يقوم منذ عام 2004 إلى الآن بإحداث جمعية.

التفاؤل والأحلام المحققة
وبدا التفاؤل بهذا المؤتمر واضحاً على وجهه فقال: إن المؤتمر سيعقد بمن يحضر، وأنا شخصياً متفائل ومرشح كعضو مكتب تنفيذي، سوف أعمل ليتم تطبيق الأنظمة والقوانين الناظمة لعمل الاتحاد لتثبيته وترسيخه، وقد ساهم بعض الفنانين في إصدار قانون /32/  المتعلق بصندوق التقاعد الذي كان حلماً من أحلام الفنانين، وسنعتبر هذا القانون نافذاً من بداية العام الجديد، والهدف الثاني هو العمل على الضمان الصحي، فنحن اليوم نعيش على المساعدات التي تقدمها وزارة الثقافة التي تدعمنا بكل الإمكانيات.
ونوه جوابرة إلى عدة نقاط هي: السعي إلى تطبيق الأنظمة والقوانين سواء تشكيل لجنة للقبول في الاتحاد أو منح المكافآت، والعمل من أجل تثبيت قانون التقاعد وجعله نافذاً للتطبيق، وهذه مهمة صعبة فالعائدات التقاعدية المقترحة في القانون /12/ كل منها يحتاج لمناقشة، ولا يمكن أن يصبح هناك رصيد من لا شيء نريد دعماً من الدولة، وهذا لا يتحقق دون عمل ويحتاج لعلاقات شخصية وغيرها لنصل للناس المانحة، مشيراً إلى أنه تم العمل منذ 20 عاماً على مسألة إخضاع تراخيص المحلات التجارية في مراكز المدن إلى تقديم مخططات ديكور مصدقة أصولاً من فروع اتحاد الفنانين التشكيليين، وهذا قد يكون أكثر قوة وحضوراً من قانون التقاعد. أما فيما يخص الفنان الذي درس لسنوات ومن ثم أصبح عاطلاً عن العمل فقد لفت جوابرة إلى أنه سيصدر مرسوماً لتعديل المادة /11/ في القانون /55/ التي لها علاقة بباب مزاولة المهنة والتي تعتبر الوحيدة القادرة على أن تجلب إيرادات مادية للفنان، مع العلم أنه حمّال أوجه فالبلديات تملصت، ولم يتمكنوا حتى الآن من أن يفرضوا على المواطن عمل ديكور للمكان التجاري من قبل فنان، بل هو يلجأ إلى أي نجار أو حداد، وقد عملنا مع وزير الثقافة حتى وصلنا لنتيجة رائعة بتعديل المادة مما يحمل الفائدة  للفنان وللمواطن، وينعكس إيجاباً على المدينة.

إعداد مرحلة ورقية
بدوره قال عضو المكتب التنفيذي الفنان حمود سلمان: إن الفترة الماضية كانت مرحلة إعداد ورقيات للمرحلة القادمة مثل موضوع شؤون المهنة، وقانون التقاعد كل ذلك تم إنجازه بجهود مضنية رغم وجود الأزمة، إلا أنها قليلة بالنسبة للفنان، ونأمل من المكتب الجديد أن يحقق هذا على أرض الواقع. ويتابع: الفنان لا يقدم واجباته تجاه الاتحاد الذي لا يملك إمكانيات لتقديم أي شيء، فالفنان يريد واردات وقد أصبحت ممكنة اليوم من مجالس المدن والبلديات واشتراكات الفنانين وصندوق التقاعد. هناك الكثير من الأبواب تم إنهاء ورقياتها عن طريق رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الثقافة من أجل تأمين إيرادات لتغطية نفقات الفنان، هذا على مستوى العمل الذي أنجز خلال الفترة الماضية. وفي آخر جلسة وضعنا مبلغ 500000 ل. س في صندوق التقاعد والإعانة الفورية وكنا نأخذ لوحات للفنان لتقتنيها وزارة الثقافة، ونقدم المال لأي فنان يريد إجراء عملاً جراحياً، فعندما يدفع الفنان الرسوم المترتبة عليه يصبح لدينا صندوقاً نعتمد عليه.
ويعتبر سلمان الاتحاد أهم مؤسسة مدنية في سورية فيضيف: نحن حالياً لسنا بحاجة لبلديات بل نحتاج أن نثقف الناس التي تخطئ بحق نفسها وبحق الوطن، فمشكلتنا في سورية هي مشكلة ثقافية، يمكن أن يكون دور الفنان التشكيلي هو الأقل، لكن رغم هذه الأزمة كان هناك تنوع في المعارض في الكثير من المحافظات، وكان يذهب 40 أو 50% من سعر اللوحة إلى أطفال الشهداء وهذا واجب علينا تجاه الوطن.

الرؤية الصحيحة في الاختيار
وتحدث أمين سر الاتحاد الفنان أنور الرحبي عن المؤتمر قائلاً: المؤتمر حالة تنافس مابين أشقاء فنانين رائعين من بيت واحد هو الفنون الجميلة، ويأتي كانعكاس على هذه العائلة، وأحياناً يكون التنافس بتقبل وجهة نظر الآخر، وهذا التقبل مبني على الاحترام والتنافس الشريف، وهناك مسألة في غاية الأهمية نفتقدها وهي تقاليد المؤتمر فنحن بعيدون عنها، والسبب يعود لعدم وجود تقاليد صحيحة في الاختيار، ما أتمناه اليوم في المؤتمر أن تكون هناك تقاليد في الرؤية والاختيار، وهذا التنافس هو مبدئي عائلي، وليكون المؤتمر حقيقياً يجب أن يكون له قوام، يأتي من الاختيار الصحيح للمرشح الذي سيمثله لمدة خمس سنوات.
ويضيف: يمر المؤتمر والبلد في أزمة حقيقية، يمكن أن ترمي بظلالها على الكثير من الأمنيات والأحلام، والحقيقة الأزمة هي مبدئية في تمهيد الطريق لبناء حالة إبداعية قادمة، وأنا مصر على أن يساهم المؤتمر في تحقيق الحد الأدنى من بعض القيم التي نسعى إليها، وأن يكون هناك مساعدات فورية وصناديق صحية، وأن تتعامل الدولة مع المبدع السوري بحقيقته، فهو الذي يرفع العلم ويحقق مساحة ثقافية مهمة جداً بين كل البلدان العربية وحتى الدولية، لكن هذه الأمنيات تحتاج إلى سواعد حقيقية من مؤسسات الدولة.

فنانونا سفراء
أما عن الفنانين المتواجدين خارج البلاد فيقول الفنان الرحبي: نحن لا نخوّن أحداً من زملائنا في الخارج، لكن نريد منهم أن يكونوا أعلاماً حقيقيين في الفنون الجميلة.
من جهته قال رئيس الاتحاد الدكتور إحسان العر: هناك أشخاص في الخارج لديهم انتماء أكثر ممن في البلاد، لكن ظروفهم هي التي ضغطت عليهم، فنزار قباني غادر سورية لسنوات طويلة، لكن دمشق لم تغب عن شعره، وعمر حمدي بألوانه الوحشية بقيت سورية حاضرة في لوحاته.

الإعلام والفن التشكيلي
ويؤكد د. العر أن هناك مشكلة كبيرة بين الإعلام والفنون التشكيلية نقع فيها كل يوم، يتكلم معنا الإعلاميون مطالبين بمواد إعلامية، وكأن لديهم أوقات فراغ يريدون ملأها ومن أي فنان كان، لكن الموضوع لا يكون هكذا إما أن نعمل على الكم أو على النوع، فلا يمكن أن يكون العمل على النوع خاصة في هذه الظروف ليس بمجرد أن أرى شخص يمسك الريشة أو أدوات نحت يصبح فناناً وأحاوره ويتم نشره في التلفاز، هذه الأشياء تتم محاربتنا بها في الخارج، يجب على الإعلامي أن يكون انتقائياً. وهنا يداخل الفنان أنور الرحبي على الموضوع قائلاً: عندما تأتي أي مؤسسة إعلامية في الوطن العربي أو خارجه يجب أن يكون هناك ناقداً فنياً لهذه الجريدة ويصبح اسماً يقابل الفنان المبدع في أي مكان من الأمكنة، ونحن نفتقد في سورية منذ غياب طارق الشريف، وصلاح الدين محمد لهذا النقد، والسبب هو غياب الصحفي المتخصص بالنقد في المؤسسات الصحفية، يجب أن يكون في كل مؤسسة ناقد فني نحترمه ونجلّ لكلماته الكثير من المعاني لأنه في يوم من الأيام سيصوب الصحيح، لكن في الحقيقة عندما تكثر الكلمات تخف قيمة الفن التشكيلي، فهناك بعض الصحف تنشر في الصفحة الثقافية في افتتاحية عن فنانين من الدرجة 15 وتقدمه وكأنه الفنان بيكاسو، بالمقابل الفنانين المهمين لا يتم أي إضاءة إعلامية عليهم وهذه مسألة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
ويختم محمود جوابره محور الإعلام بقوله: أنا أتمنى أن تكون الوسائل الإعلامية نافذة حقيقية أمام الفنانين التشكيليين، وأن تكون صلة وصل بين الفنان والمجتمع، ولا تعطي صورة مشوهة وقبيحة عن الفن التشكيلي.

المستشار الفني
بدورنا سألنا هل هناك إمكانية أن يكون هناك جهة مختصة لاستشارتها في الفن التشكيلي من الناحية الإعلامية؟ فأجابنا أمين سر الاتحاد: هناك مكتب مختص في الاتحاد اسمه “مكتب الثقافة والإعلام” وجمعية للنقد والبحث في الفن التشكيلي، وكان للاتحاد مجلة، لكن الظروف المادية لا تسمح بإصدارها بشكل تتابعي، أما الجمعية فستأخذ زخماً كثيراً بالإضافة إلى الموقع لتبحث في هموم وإبداع الفنان السوري وسيكون لها أرضية إعلامية حقيقية.
وحول الشعار الذي يقول “وطننا لنا.. والدفاع عنه حق علينا” يوضح رئيس الاتحاد:
يعتبر أي فنان تشكيلي موجود في الوطن اليوم مقاتلاً، وليس شرط أن يكون بالريشة أو باللوحة، لكن مجرد وجوده وتواصله مع عامة الشعب يعتبر مقاتلاً كما كان يحدث في ندوة الأربعاء الثقافي، وحضور المعارض والقيام بنشاطات فنية وثقافية، فأنا اعتبر نفسي مقاتلاً من الدرجة الأولى، هذا وطني وأنا مجبر أن أدافع عنه، وهذا هو هدف الشعار. ويضيف جوابرة: نحن لا نريد شعارات فقط بل شيء حقيقي واقعي يلامس الفنان من الداخل، ونريد أن نتحدث عن الحالة الثقافية التي مست كل المجتمع السوري، فالفنان هو الشخص الوحيد القادر على التغيير.

الأهم صندوق التقاعد
من جانبه لفت الفنان جمال نهار رئيس فرع القنيطرة لاتحاد الفنانين التشكيليين إلى وجود قطيعة بين الاتحاد والفنان، والسبب هو إحساس الفنان بعدم تحقق شيء، وتمنى وجود تواصل مع الفنانين لكي نستطيع تقديم شيء فعلي للذين تخرجوا من كلية الفنون الجميلة وانتسبوا إلى الاتحاد، منوهاً إلى أن الاتحاد لا يستطيع تحقيق شيء بدون تضامن الفنان الذي غالباً ما يدير ظهره للاتحاد، ومن ثم يتهمه بعدم الجدوى. ورأى نهار أن من أهم الأمور التي نسعى إليها بشكل عام  في المؤتمر اليوم هو قانون التقاعد، فجميع الاتحادات والنقابات في القطر تتقاضى تقاعداً إلا اتحاد الفنانين التشكيليين، وتمنى مع  بداية العام أن يلتزم الجميع بتسديد اشتراكاتهم خاصة بوجود مشكلة مادية تعاني منها فروع الاتحاد، فليس هناك إيرادات مادية أخرى، مشيراً إلى أن أغلب الدوائر الحكومية لا تلتزم بالقانون بالنسبة للأعمال الفنية المنفذة لديها.

أزمة ثقافة
ونوه عضو هيئة فرع دمشق فاروق النايف إلى أن البعض يعتبر أن هناك فصل بين الفنان والاتحاد مع العلم أن البعض لا يذهب إلى الانتخابات، ومن ثم يطالبون بمرشحين يمتلكون صفات معينة، ويتهمونه بوجود نوع من “الشللية” علماً أنهم هم  من أقصوا أنفسهم عن الانتخابات ولم يطالبوا بحقوقهم وبمرشحيهم.
وضمن ندوتنا مع الفنانين التشكيلين تطرقنا لموضوع المناهج المدرسية وكيفية التعامل مع الفن يؤكد أنور الرحبي، وأنه منذ السبعينيات هناك الكثير من الأنظمة تدخل في إطار الاتحادات على أن تكون الثقافة في التعلم تربوية، على سبيل المثال معهد صلحي الوادي الذي يعلم الأطفال أكثر مما تعلم الأكاديمية، كما يعلم الفنون أكثر من المدارس، وفي الثمانينيات أصبح هناك لغة منهجية (اللغة اللاصفية) بمعنى الكثير من المدارس فتحت صفوفها لتعلم الرسم والموسيقا والشعر مضيفاً أن المنظمات التي تمسكت بها الدولة مثل منظمة الطلائع والشبيبة واتحاد الطلبة لم ندخل في عمقها، مع أن الكثير من الفنانين الكبار الموجودين أتوا من بيوت المنظمات الشعبية، فالأزمة اليوم هي أزمة ثقافة وليست أزمة وطن وكلما اقتربنا من الفن كلما ابتعدنا عن القبح.
هذا ماأدلى به عدد من أعضاء مؤتمر اتحاد الفنانين التشكيليين الذين يعقدون مؤتمرهم اليوم والذي نتمنى أن تكون نتائجه بمستوى الطموحات التي يطمح إليها أعضاؤه بما ينعكس خيراً على الفنان والوطن معاً.
جُمان بركات- لوردا فوزي